والبركة لأنّه لا يبقى إلّا ما يحتفظ به أصحابه وهو النفائس ، ولذلك أطلقت (البقية) على الشيء النفيس المبارك كما في قوله تعالى : (فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَآلُ هارُونَ) [البقرة : ٢٤٨] ، وقوله : (فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ) [هود : ١١٦] وقال عمرو بن معديكرب أو رويشد الطائي :
إن تذنبوا ثم تأتيني بقيتكم |
|
فما عليّ بذنب منكم فوت |
قال المرزوقي : المعنى ثم يأتيني خياركم وأماثلكم يقيمون المعذرة وهذا كما يقال : فلان من بقية أهل ، أي من أفاضلهم.
وفي كلمة (البقية) معنى آخر وهو الإبقاء عليهم ، والعرب يقولون عند طلب الكفّ عن القتال : ابقوا علينا ، ويقولون «البقية البقية» بالنصب على الإغراء ، قال الأعشى :
قالوا البقية ـ والهنديّ يحصدهم |
|
ولا بقية إلا الثار ـ وانكشفوا |
وقال مسور بن زيادة الحارثي :
أذكّر بالبقيا على من أصابني |
|
وبقياي أنّي جاهد غير مؤتلي |
والمعنى إبقاء الله عليكم ونجاتكم من عذاب الاستئصال خير لكم من هذه الأعراض العاجلة السّيئة العاقبة ، فيكون تعريضا بوعيد الاستئصال. وكل هذه المعاني صالحة هنا. ولعلّ كلام شعيب ـ عليهالسلام ـ قد اشتمل على جميعها فحكاه القرآن بهذه الكلمة الجامعة.
وإضافة (بقية) إلى اسم الجلالة على المعاني كلها جمعا وتفريقا إضافة تشريف وتيمّن. وهي إضافة على معنى اللّام لأن البقية من فضله أو ممّا أمر به.
ومعنى (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) إن كنتم مصدقين بما أرسلت به إليكم ، لأنهم لا يتركون مفاسدهم ويرتكبون ما أمروا به إلّا إذا صدقوا بأن ذلك من عند الله ، فهنالك تكون بقية الله خيرا لهم ، فموقع الشرط هو كون البقية خيرا لهم ، أي لا تكون البقية خيرا إلّا للمؤمنين.
وجاء باسم الفاعل الذي هو حقيقة في الاتّصاف بالفعل في زمان الحال تقريبا لإيمانهم بإظهار الحرص على حصوله في الحال واستعجالا بإيمانهم لئلّا يفجأهم العذاب فيفوت التدارك.
وجملة (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) في موضع الحال من ضمير (اعْبُدُوا) ونظائره ، أي