ممّن يظنّ به أن يشكّ في ذلك أم لا إذ ليس المقصود معيّنا.
ويجوز أن يكون الخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم ويكون (فَلا تَكُ) مقصودا به مجرّد تحقيق الخبر فإنّه جرى مجرى المثل في ذلك في كلام العرب مثل كلمة : لا شكّ ، ولا محالة ، ولا أعرفنّك ، ونحوها.
ويجوز أن يكون تثبيتا للنبي صلىاللهعليهوسلم على ما يلقاه من قومه من التصلّب في الشرك ، أي لا تكن شاكّا في أنّك لقيت من قومك من التكذيب مثل ما لقيه الرّسل من أممهم فإنّ هؤلاء ما يعبدون إلّا عبادة كما يعبد آباؤهم من قبل متوارثينها عن أسلافهم من الأمم البائدة.
و (فِي) للظرفية المجازية.
والمرية ـ بكسر الميم ـ : الشكّ. وقد جاء فعلها على وزن فاعل أو تفاعل وافتعل. ولم يجئ على وزن مجرّد لأنّ أصل المراد المجادلة والمدافعة مستعارا من مريت الشاة إذا استخرجت لبنها. ومنه قولهم : لا يجارى ولا يمارى. وفي القرآن (أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) [النجم : ١٢]. وقد تقدّم الامتراء عند قوله : (ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) في أوّل الأنعام [٢].
وما في قوله : (مِمَّا يَعْبُدُ) مصدريّة ، أي لا تك في شكّ من عبادة هؤلاء ، والإشارة بهؤلاء إلى مشركي قريش.
وقد تتبعت اصطلاح القرآن فوجدته عناهم باسم الإشارة هذا في نحو أحد عشر موضعا وهو ممّا ألهمت إليه ونبّهت عليه عند قوله تعالى : (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) في سورة النساء [٤١].
ومعنى الشكّ في عبادتهم ليس إلّا الشكّ في شأنها ، لأنّ عبادتهم معلومة للنبيصلىاللهعليهوسلم فلا وجه لنفي مريته فيها ، وإنّما المراد نفي الشك فيما قد يعتريه من الشكّ من أنهم هل يعذّبهم الله في الدنيا أو يتركهم إلى عقاب الآخرة.
وجملة (ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ) مستأنفة ، تعليلا لانتفاء الشكّ في عاقبة أمرهم في الدّنيا.
ووجه كونه علّة أنّه لمّا كان دينهم عين دين من كان قبلهم من آبائهم وقد بلغكم ما فعل الله بهم عقابا على دينهم فأنتم توقنون بأنّ جزاءهم سيكون مماثلا لجزاء أسلافهم ،