لأنّ حكمة الله تقتضي المساواة في الجزاء على الأعمال المتماثلة.
والاستثناء بقوله : (إِلَّا كَما يَعْبُدُ) استثناء من عموم المصادر. وكاف التشبيه نائبة عن مصدر محذوف. التّقدير : إلّا عبادة كما يعبد آباؤهم.
والآباء : أطلق على الأسلاف ، وهم عاد وثمود. وذلك أنّ العرب العدنانيين كانت أمّهم جرهمية ، وهي امرأة إسماعيل ، وجرهم من إخوة ثمود ، وثمود إخوة لعاد ، ولأنّ قريشا كانت أمهم خزاعيّة وهي زوج قصيّ. وعبادة الأصنام في العرب أتاهم بها عمرو بن يحيى ، وهو جدّ خزاعة.
وعبّر عن عبادة الآباء بالمضارع للدّلالة على استمرارهم على تلك العبادة ، أي إلّا كما اعتاد آباؤهم عبادتهم. والقرينة على المضي قوله : (مِنْ قَبْلُ) ، فكأنّه قيل : إلّا كما كان يعبد آباؤهم. والمضاف إليه (قَبْلُ) محذوف تقديره : من قبلهم ، تنصيصا على أنّهم سلفهم في هذا الضّلال وعلى أنّهم اقتدوا بهم.
وجملة (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ) عطف على جملة التّعليل ، والمعطوف هو المعلول ، وقد تسلّط عليه معنى كاف التّشبيه لذلك. فالمعنى : وإنّا لموفوهم نصيبهم من العذاب كما وفّينا أسلافهم.
والتوفية : إكمال الشيء غير منقوص.
والنصيب : أصله الحظ. وقد استعمل (موفوهم) و (نصيبهم) هنا استعمالا تهكّميا كأنّ لهم عطاء يسألونه فوفوه ، فوقع قوله (غَيْرَ مَنْقُوصٍ) حالا مؤكدة لتحقيق التّوفية زيادة في التهكم ، لأنّ من إكرام الموعود بالعطاء أن يؤكد له الوعد ، ويسمى ذلك بالبشارة.
والمراد نصيبهم من عذاب الآخرة ، فإنّ الله لم يستأصلهم كما استأصل الأمم السابقة ببركة النبي صلىاللهعليهوسلم إذ قال : «لعلّ الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده».
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠))
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ).
اعتراض لتثبيت النبي صلىاللهعليهوسلم وتسليته بأنّ أهل الكتاب وهم أحسن حالا من أهل الشّرك قد أوتوا الكتاب فاختلفوا فيه ، وهم أهل ملّة واحدة فلا تأس من اختلاف قومك عليك ،