من أتباع الرسل ، وهم أولو البقية الذين ينهون عن الفساد في الأرض ، فمن الناس مهتد وكثير منهم فاسقون ولو شاء لخلق العقول البشرية على إلهام متّحد لا تعدوه كما خلق إدراك الحيوانات العجم على نظام لا تتخطّاه من أوّل النشأة إلى انقضاء العالم ، فنجد حال البعير والشّاة في زمن آدم ـ عليهالسلام ـ كحالهما في زماننا هذا ، وكذلك يكون إلى انقراض العالم ، فلا شكّ أن حكمة الله اقتضت هذا النظام في العقل الإنساني لأنّ ذلك أوفى بإقامة مراد الله تعالى من مساعي البشر في هذه الحياة الدنيا الزائلة المخلوطة ، لينتقلوا منها إلى عالم الحياة الأبديّة الخالصة إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، فلو خلق الإنسان كذلك لما كان العمل الصالح مقتضيا ثواب النعيم ولا كان الفساد مقتضيا عقاب الجحيم ، فلا جرم أنّ الله خلق البشر على نظام من شأنه طريان الاختلاف بينهم في الأخوة ، ومنها أمر الصلاح والفساد في الأرض وهو أهمّها وأعظمها ليتفاوت الناس في مدارج الارتقاء ويسموا إلى مراتب الزلفى فتتميز أفراد هذا النوع في كل أنحاء الحياة حتى يعد الواحد بألف (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [الأنفال : ٣٧].
وهذا وجه مناسبة عطف جملة (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) على جملتي (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ).
ومفعول فعل المشيئة محذوف لأنّ المراد منه ما يساوي مضمون جواب الشرط فحذف إيجازا. والتقدير : ولو شاء ربك أن يجعل الناس أمّة واحدة لجعلهم كذلك.
والأمّة : الطائفة من الناس الذين اتّحدوا في أمر من عظائم أمور الحياة كالموطن واللّغة والنّسب والدّين. وقد تقدمت عند قوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) في سورة البقرة [٢١٣]. فتفسر الأمّة في كل مقام بما تدل عليه إضافتها إلى شيء من أسباب تكوينها كما يقال : الأمة العربيّة والأمّة الإسلاميّة.
ومعنى كونها واحدة أن يكون البشر كلّهم متّفقين على اتّباع دين الحق كما يدل عليه السياق ، فآل المعنى إلى : لو شاء ربك لجعل الناس أهل ملّة واحدة فكانوا أمّة واحدة من حيث الدّين الخالص.
وفهم من شرط (لو) أنّ جعلهم أمّة واحدة في الدّين منتفية ، أي منتف دوامها على الوحدة في الدّين وإن كانوا قد وجدوا في أوّل النشأة متّفقين فلم يلبثوا حتّى طرأ الاختلاف بين ابني آدم ـ عليهالسلام ـ لقوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) [البقرة : ٢١٣] وقوله: (وَما كانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا) في سورة يونس [١٩] ؛ فعلم أنّ الناس