وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣))
كلام جامع وهو تذييل للسورة مؤذن بختامها ، فهو من براعة المقطع. والواو عاطفة كلاما على كلام ، أو واو الاعتراض في آخر الكلام ومثله كثير.
واللّام في (لِلَّهِ) للملك وهو ملك إحاطة العلم ، أي لله ما غاب عن علم الناس في السماوات والأرض. وهذا كلام يجمع بشارة المؤمنين بما وعدوا من النعيم المغيب عنهم ، ونذارة المشركين بما توعدوا به من العذاب المغيب عنهم في الدنيا والآخرة.
وتقديم المجرورين في (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ) لإفادة الاختصاص ، أي الله لا غيره يملك غيب السماوات والأرض ، لأنّ ذلك ممّا لا يشاركه فيه أحد. وإلى الله لا إلى غيره يرجع الأمر كله ، وهو تعريض بفساد آراء الذين عبدوا غيره ، لأنّ من لم يكن كذلك لا يستحق أن يعبد ، ومن كان كذلك كان حقيقا بأن يفرد بالعبادة.
ومعنى إرجاع الأمر إليه : أنّ أمر التّدبير والنصر والخذلان وغير ذلك يرجع إلى الله ، أي إلى علمه وقدرته ، وإن حسب الناس وهيئوا فطالما كانت الأمور حاصلة على خلاف ما استعد إليه المستعد ، وكثيرا ما اعتزّ العزيز بعزّته فلقي الخذلان من حيث لا يرتقب ، وربّما كان المستضعفون بمحل العزة والنصرة على أولي العزة والقوة.
والتعريف في (الْأَمْرُ) تعريف الجنس فيعمّ الأمور ، وتأكيد الأمر ب (كُلُّهُ) للتّنصيص على العموم.
وقرأ من عدا نافعا (يُرْجَعُ) ببناء الفعل بصيغة النائب ، أي يرجع كل ذي أمر أمره إلى الله. وقرأه نافع بصيغة الفاعل على أن يكون (الأمر) هو فاعل الرجوع ، أي يرجع هو إلى الله.
وعلى كلتا القراءتين فالرجوع تمثيل لهيئة عجز الناس عن التصرف في الأمور حسب رغباتهم بهيئة متناول شيء للتصرّف به ثم عدم استطاعته التصرف به فيرجعه إلى الحري بالتصرف به ، أو تمثيل لهيئة خضوع الأمور إلى تصرف الله دون تصرّف المحاولين التصرف فيها بهيئة المتجوّل الباحث عن مكان يستقرّ به ثم إيوائه إلى المقرّ اللائق به ورجوعه إليه ، فهي تمثيلية مكنية رمز إليها بفعل (يُرْجَعُ) وتعديته ب (إِلَيْهِ).
وتفريع أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بعبادة الله والتوكّل عليه على رجوع الأمر كله إليه ظاهر ، لأنّ