الخطاب الصالحة لجميع السامعين ، فلما تهيأت للانتقال إلى ذكر الضراء وقع الانتقال من ضمائر الخطاب إلى ضمير الغيبة لتلوين الأسلوب بما يخلصه إلى الإفضاء إلى ما يخص المشركين فقال : (وَجَرَيْنَ بِهِمْ) على طريقة الالتفات ، أي وجرين بكم. وهكذا أجريت الضمائر جامعة للفريقين إلى أن قال : (فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) فإن هذا ليس من شيم المؤمنين فتمحض ضمير الغيبة هذا للمشركين ، فقد أخرج من الخبر من عدا الذين يبغون في الأرض بغير الحق تعويلا على القرينة لأن الذين يبغون في الأرض بغير الحق لا يشمل المسلمين.
وهذا ضرب من الالتفات لم ينبه عليه أهل المعاني وهو كالتخصيص بطريق الرمز.
وقد عدت هذه الآية من أمثلة الالتفات من الخطاب إلى الغيبة في ضمائر الغيبة كلها تبعا «للكشاف» بناء على جعل ضمائر الخطاب للمشركين وجعل ضمائر الغيبة لهم أيضا ، وما نحوته أنا أليق.
وابتدئ الإتيان بضمير الغيبة من آخر ذكر النعمة عند قوله : (وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) للتصريح بأن النعمة شملتهم ، وللإشارة إلى أن مجيء العاصفة فجأة في حال الفرح مراد منه ابتلاؤهم وتخويفهم. فهو تمهيد لقوله : (وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ).
والسير في البر معروف للعرب. وكذلك السير في البحر. كانوا يركبون البحر إلى اليمن وإلى بلاد الحبشة. وكانت لقريش رحلة الشتاء إلى اليمن وقد يركبون البحر لذلك.
وقد وصف طرفة بن العبد السفن وسيرها ، وذكرها عمرو بن كلثوم في معلقته ، والنابغة في داليته.
وقرأ الجمهور (يُسَيِّرُكُمْ) ـ بتحتية في أوله مضمومة فسين مهملة بعدها تحتية بعدها راء ـ من السير ، أي يجعلكم تسيرون. وقرأه ابن عامر وأبو جعفر ينشركم بتحتية مفتوحة في أوله بعدها نون ثم شين معجمة ثم راء ـ من النّشر ، وهو التفريق على نحو قوله تعالى : (إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ) [الروم : ٢٠] وقوله : (فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ) [الجمعة : ١٠]. قال ابن عطية عن عوف بن أبي جميلة وأبي الزغل : كانوا (أي أهل الكوفة) يقرءون ينشركم فنظروا في مصحف عثمان بن عفان فوجدوها (يُسَيِّرُكُمْ) (أي بتحتية فسين مهملة فتحتية) فأوّل من كتبها كذلك الحجاج بن يوسف ، أي أمر بكتبها في مصاحب أهل الكوفة.