علي الفارسي وأبو حيان. ويكون قوله : (قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) كلاما مستأنفا حكاية لما أجابهم به يوسف ـ عليهالسلام ـ صراحة على طريقة حكاية المحاورة ، وهو كلام موجه لا يقتضي تقرير ما نسبوه إلى أخي أخيهم ، أي أنتم أشدّ شرّا في حالتكم هذه لأنّ سرقتكم مشاهدة وأما سرقة أخي أخيكم فمجرد دعوى ، وفعل (قالَ) يرجح هذا الوجه.
ويجوز أن يكون ضمير الغيبة في (فَأَسَرَّها) عائد إلى ما بعده وهو قوله : (قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً). وبهذا فسر الزجاج والزمخشري ، أي قال في نفسه ، وهو يشبه ضمير الشأن والقصة ، لكن تأنيثه بتأويل المقولة أو الكلمة ، وتكون جملة (قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً) تفسيرا للضمير في (فَأَسَرَّها).
والإسرار ، على هذا الوجه ، مستعمل في حقيقته ، وهو إخفاء الكلام عن أن يسمعه سامع.
وجملة (وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ) قيل هي توكيد لجملة (فَأَسَرَّها يُوسُفُ). وشأن التوكيد أن لا يعطف. ووجه عطفها ما فيها من المغايرة للتي قبلها بزيادة قيد لهم المشعر بأنه أبدى لأخيه أنهم كاذبون. ويجوز أن يكون المراد لم يبد لهم غضبا ولا عقابا كما تقدم مبالغة في كظم غيظه ، فيكون في الكلام تقدير مضاف مناسب ، أي لم يبد أثرها.
و (شَرٌّ) اسم تفضيل ، وأصله أشرّ ، و (مَكاناً) تمييز لنسبة الأشرّ.
وأطلق المكان على الحالة على وجه الاستعارة ، والحالة هي السرقة ، وإطلاق المكان والمكانة على الحالة شائع. وقد تقدم عند قوله تعالى : (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) في آخر سورة الأنعام [١٣٥] ، وهو تشبيه الاتّصاف بوصف ما بالحلول في مكان. والمعنى أنهم لما علّلوا سرقة أخيهم بأن أخاه من قبل قد سرق فإذا كانت سرقة سابقة من أخ أعدّت أخاه الآخر للسرقة ، فهم وقد سبقهم أخوان بالسرقة أجدر بأن يكونوا سارقين من الذي سبقه أخ واحد. والكلام قابل للحمل على معنى أنتم شر حالة من أخيكم هذا والذي قبله لأنهما بريئان مما رميتموهما به وأنتم مجرمون عليهما إذ قذفتم أولهما في الجب ، وأيدتم تهمة ثانيهما بالسرقة.
ثم ذيله بجملة (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ) ، وهو كلام جامع أي الله أعلم بصدقكم فيما وصفتم أو بكذبكم. والمراد : أنه يعلم كذبهم ، فالمراد : أعلم لحال ما تصفون.