واعترفوا بذنبهم إذ قالوا : (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ). والخاطئ : فاعل الخطيئة ، أي الجريمة ، فنفعت فيهم الموعظة.
ولذلك أعلمهم بأن الذنب قد غفر فرفع عنهم الذم فقال : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ).
والتثريب : التوبيخ والتقريع. والظاهر أن منتهى الجملة هو قوله : (عَلَيْكُمُ) ، لأن مثل هذا القول ممّا يجري مجرى المثل فيبنى على الاختصار فيكتفي ب (لا تَثْرِيبَ) مثل قولهم : لا بأس ، وقوله تعالى : (لا وَزَرَ) [القيامة : ١١].
وزيادة (عَلَيْكُمُ) للتأكيد مثل زيادة لك بعد (سقيا ورعيا) ، فلا يكون قوله : (الْيَوْمَ) من تمام الجملة ولكنه متعلق بفعل (يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ).
وأعقب ذلك بأن أعلمهم بأن الله يغفر لهم في تلك الساعة لأنها ساعة توبة ، فالذنب مغفور لإخبار الله في شرائعه السالفة دون احتياج إلى وحي سوى أن الوحي لمعرفة إخلاص توبتهم.
وأطلق (الْيَوْمَ) على الزمن ، وقد مضى عند قوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) في أول سورة العقود [٣].
وقوله : (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا) يدل على أنه أعطاهم قميصا ، فلعلّه جعل قميصه علامة لأبيه على حياته ، ولعلّ ذلك كان مصطلحا عليه بينهما. وكان للعائلات في النظام القديم علامات يصطلحون عليها ويحتفظون بها لتكون وسائل للتعارف بينهم عند الفتن والاغتراب ، إذ كانت تعتريهم حوادث الفقد والفراق بالغزو والغارات وقطع الطريق ، وتلك العلامات من لباس ومن كلمات يتعارفون بها وهي الشعار ، ومن علامات في البدن وشامات.
وفائدة إرساله إلى أبيه القميص أن يثق أبوه بحياته ووجوده في مصر ، فلا يظن الدعوة إلى قدومه مكيدة من ملك مصر ، ولقصد تعجيل المسرة له.
والأظهر أنه جعل إرسال قميصه علامة على صدق إخوته فيما يبلغونه إلى أبيهم من أمر يوسف عليهالسلام بجلبه فإنّ قمصان الملوك والكبراء تنسج إليهم خصيصا ولا توجد أمثالها عند الناس وكان الملوك يخلعونها على خاصتهم ، فجعل يوسف عليهالسلام إرسال قميصه علامة لأبيه على صدق إخوته أنهم جاءوا من عند يوسف عليهالسلام بخبر صدق.