يعقوب ـ عليهماالسلام ـ إليه وكان فرط محبة أبيه إياه سبب غيرة إخوته منه فكادوا له مكيدة فسألوا أباهم أن يتركه يخرج معهم. فأخرجوه معهم بعلّة اللعب والتفسح ، وألقوه في جبّ ، وأخبروا أباهم أنّهم فقدوه ، وأنهم وجدوا قميصه ملوّثا بالدّم ، وأروه قميصه بعد أن لطّخوه بدم ، والتقطه من البئر سيارة من العرب الإسماعيليين كانوا سائرين في طريقهم إلى مصر ، وباعوه كرقيق في سوق عاصمة مصر السفلى التي كانت يومئذ في حكم أمّة من الكنعانيين يعرفون بالعمالقة أو (الهكصوص). وذلك في زمن الملك (أبو فيس) أو (ابيبي). ويقرب أن يكون ذلك في حدود سنة تسع وعشرين وسبعمائة وألف قبل المسيح ـ عليهالسلام ـ ، فاشتراه (فوطيفار) رئيس شرطة فرعون الملقّب في القرآن بالعزيز ، أي رئيس المدينة. وحدثت مكيدة له من زوج سيّده ألقي بسببها في السجن. وبسبب رؤيا رآها الملك وعبّرها يوسف ـ عليهالسلام ـ وهو في السجن ، قرّبه الملك إليه زلفى ، وأولاه على جميع أرض مصر ، وهو لقب العزيز وسمّاه (صفنات فعنيج) ، وزوّجه (أسنات) بنت أحد الكهنة وعمره يومئذ ثلاثون سنة. وفي مدة حكمه جلب أباه وأقاربه من البريّة إلى أرض مصر ، فذلك سبب استيطان بني إسرائيل أرض مصر. وتوفي بمصر في حدود سنة خمس وثلاثين وستمائة وألف قبل ميلاد عيسى ـ عليهالسلام ـ. وحنّط على الطريقة المصرية. ووضع في تابوت ، وأوصى قبل موته قومه بأنهم إذا خرجوا من مصر يرفعون جسده معهم. ولمّا خرج بنو إسرائيل من مصر رفعوا تابوت يوسف ـ عليهالسلام ـ معهم وانتقلوه معهم في رحلتهم إلى إلى أن دفنوه في (شكيم) في مدة يوشع بن نون.
والتاء في (أبت) تاء خاصّة بكلمة الأب وكلمة الأم في النداء خاصة على نية الإضافة إلى المتكلم ، فمفادها مفاد : يا أبي ، ولا يكاد العرب يقولون : يا أبي. وورد في سلام ابن عمر على النبي صلىاللهعليهوسلم وصاحبه حين وقف على قبورهم المنوّرة. وقد تحيّر أئمّة اللغة في تعليل وصلها بآخر الكلمة في النداء واختاروا أن أصلها تاء تأنيث بقرينة أنهم قد يجعلونها هاء في الوقف ، وأنها جعلت عوضا عن ياء المتكلم لعلة غير وجيهة. والذي يظهر لي أنّ أصلها هاء السكت جلبوها للوقف على آخر الأب لأنّه نقص من لام الكلمة ، ثم لما شابهت هاء التأنيث بكثرة الاستعمال عوملت معاملة آخر الكلمة إذا أضافوا المنادى فقالوا : يا أبتي ، ثم استغنوا عن ياء الإضافة بالكسرة لكثرة الاستعمال. ويدل لذلك بقاء الياء في بعض الكلام كقول الشاعر الذي لا نعرفه :
أيا أبتي لا زلت فينا فإنّما |
|
لنا أمل في العيش ما دمت عائشا |