العظمى في الآخرة ، فذكر ثلاث نعم : اثنتان دنيويتان وهما : نعمة الولاية على الأرض ونعمة العلم ، والثالثة : أخروية وهي نعمة الدين الحق المعبر عنه بالإسلام ـ وجعل الذي أوتيه بعضا من الملك ومن التأويل لأن ما أوتيه بعض من جنس الملك وبعض من التأويل إشعارا بأن ذلك في جانب ملك الله وفي جانب علمه شيء قليل. وعلى هذا يكون المراد بالملك التصرف العظيم الشبيه بتصرف الملك إذ كان يوسف ـ عليهالسلام ـ هو الذي يسير الملك برأيه. ويجوز أن يراد بالملك حقيقته ويكون التبعيض حقيقيا ، أي آتيتني بعض الملك لأن الملك مجموع تصرفات في أمر الرعية ، وكان ليوسف ـ عليهالسلام ـ من ذلك الحظّ الأوفر ، وكذلك تأويل الأحاديث.
وتقدم معنى تأويل الأحاديث عند قوله تعالى : (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) [يوسف : ٦] في هذه السورة.
و (فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) نداء محذوف حرف ندائه. والفاطر : الخالق. وتقدم عند قوله تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) في سورة الأنعام [١٤].
والولي : الناصر ، وتقدم عند قوله تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) في سورة الأنعام.
وجملة (أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) من قبيل الخبر في إنشاء الدعاء وإن أمكن حمله على الإخبار بالنسبة لولاية الدنيا ، قيل لإثباته ذلك الشيء لولاية الآخرة. فالمعنى : كن وليي في الدنيا والآخرة.
وأشار بقوله : (تَوَفَّنِي مُسْلِماً) إلى النعمة العظمى وهي نعمة الدين الحق ، فإن طلب توفّيه على الدين الحق يقتضي أنه متصف بالدين الحق المعبر عنه بالإسلام من الآن ، فهو يسأل الدوام عليه إلى الوفاة.
والمسلم : الذي اتصف بالإسلام ، وهو الدين الكامل ، وهو ما تعبّد الله به الأنبياء والرسل ـ عليهمالسلام ـ. وقد تقدم عند قوله تعالى : (فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) في سورة آل عمران [١٠٢].
والإلحاق : حقيقته جعل الشيء لا حقا ، أي مدركا من سبقه في السّير. وأطلق هنا مجازا على المزيد في عداد قوم.