وجملة (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ) في موضع الحال. وهو محل زيادة التعجيب لأن ذلك قد يعذرون فيه لو كانوا لم يروا آثار الأمم المعذبة مثل عاد وثمود.
والمثلات ـ بفتح الميم وضم المثلثة ـ : جمع مثلة ـ بفتح الميم وضم الثاء ـ كسمرة ، ـ وبضم الميم وسكون الثاء ـ كعرفة : وهي العقوبة الشديدة التي تكون مثالا تمثل به العقوبات.
وجملة (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ) عطف على جملة (وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ). وهذا كشف لغرورهم بتأخير العذاب عنهم لأنهم لمّا استهزءوا بالنبيءصلىاللهعليهوسلم وتعرضوا لسؤال حلول العذاب بهم ورأوا أنه لم يعجل لهم حلوله اعترتهم ضراوة بالتكذيب وحسبوا تأخير العذاب عجزا من المتوعد وكذبوا النبي صلىاللهعليهوسلم وهم يجهلون أن الله حليم يمهل عباده لعلهم يرجعون ، فالمغفرة هنا مستعملة في المغفرة الموقتة ، وهي التجاوز عن ضراوة تكذيبهم وتأخير العذاب إلى أجل ، كما قال تعالى : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [سورة النحل : ٣٤].
وقرينة ذلك أن الكلام جار على عذاب الدنيا وهو الذي يقبل التأخير كما قال تعالى : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) [الدخان : ١٥] ، أي عذاب الدنيا ، وهو الجوع الذي أصيب به قريش بعد أن كان يطعمهم من جوع.
و (عَلى) في قوله : (عَلى ظُلْمِهِمْ) بمعنى مع.
وسياق الآية يدل على أن المراد بالمغفرة هنا التجاوز عن المشركين في الدنيا بتأخير العقاب لهم إلى أجل أراده الله أو إلى يوم الحساب ، وأن المراد بالعقاب في قوله : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) ضد تلك المغفرة وهو العقاب المؤجل في الدنيا أو عقاب يوم الحساب ، فمحمل الظلم على ما هو المشهور في اصطلاح القرآن من إطلاقه على الشرك.
ويجوز أن يحمل الظلم على ارتكاب الذنوب بقرينة السياق كإطلاقه في قوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [سورة النساء : ١٦٠] فلا تعارض أصلا بين هذا المحمل وبين قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] كما هو ظاهر.
وفائدة هذه العلاوة إظهار شدة رحمة الله بعباده في الدنيا كما قال : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ