الْمِيثاقَ) على جملة (يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ).
والتعريف في (الْمِيثاقَ) يحمل على تعريف الجنس فيستغرق جميع المواثيق وبذلك يكون أعم من عهد الله فيشمل المواثيق الحاصلة بين الناس من عهود وأيمان.
وباعتبار هذا العموم حصلت مغايرة ما بينه وبين عهد الله. وتلك هي مسوغة عطف (وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) على (يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) مع حصول التأكيد لمعنى الأولى بنفي ضدها ، وتعريضا بالمشركين لاتصافهم بضد ذلك الكمال ، فعطف التأكيد باعتبار المغايرة بالعموم والخصوص.
والميثاق والعهد مترادفان. والإيفاء ونفي النقض متحدا المعنى. وابتدئ من الصفات بهذه الخصلة لأنها تنبئ عن الإيمان والإيمان أصل الخيرات وطريقها ، ولذلك عطف على (يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) قوله : (وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) تحذيرا من كل ما فيه نقضه.
وهذه الصلات صفات لأولي الألباب فعطفها من باب عطف الصفات للموصوف الواحد ، وليس من عطف الأصناف. وذلك مثل العطف في قول الشاعر الذي أنشده الفراء في معاني القرآن :
إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم |
فالمعنى : الذين يتصفون بمضمون كل صلة من هذه الصلات كلما عرض مقتض لاتّصافهم بها بحيث إذا وجد المقتضي ولم يتصفوا بمقتضاه كانوا غير متصفين بتلك الفضائل ، فمنها ما يستلزم الاتصاف بالضد ، ومنها ما لا يستلزم إلا التفريط في الفضل.
وأعيد اسم الموصول هذا وما عطف عليه من الأسماء الموصولة ، للدلالة على أنها صلاتها خصال عظيمة تقتضي الاهتمام بذكر من اتصف بها ، ولدفع توهم أن عقبى الدار لا تتحقق لهم إلا إذا جمعوا كل هذه الصفات.
فالمراد ب (الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) ما يصدق على الفريق الذين يوفون بعهد الله.
ومناسبة عطفه أنّ وصل ما أمر الله به أن يوصل أثر من آثار الوفاء بعهد الله وهو عهد الطاعة الداخل في قوله : (وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) في سورة يس [٦١].