وأن يعبّروها على وجهها فينشأ فيهم شرّ الحاسد إذا حسد ، فيكيدوا له كيدا ليسلموا من تفوّقه عليهم وفضله فيهم.
والكيد : إخفاء عمل يضرّ المكيد. وتقدّم عند قوله تعالى : (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) في سورة الأعراف [١٨٣].
واللّام في (لَكَ) لتأكيد صلة الفعل بمفعوله كقوله : شكرت لك النعمى.
وتنوين (كَيْداً) للتعظيم والتهويل زيادة في تحذيره من قص الرؤيا عليهم.
وقصد يعقوب ـ عليهالسلام ـ من ذلك نجاة ابنه من أضرار تلحقه ، وليس قصده إبطال ما دلّت عليه الرؤيا فإنّه يقع بعد أضرار ومشاق. وكان يعلم أن بنيه لم يبلغوا في العلم مبلغ غوص النظر المفضي إلى أن الرّؤيا إن كانت دالة على خير عظيم يناله فهي خبر إلهي ، وهو لا يجوز عليه عدم المطابقة للواقع في المستقبل ، بل لعلّهم يحسبونها من الإنذار بالأسباب الطبيعية التي يزول تسببها بتعطيل بعضها.
وقول يعقوب ـ عليهالسلام ـ هذا لابنه تحذير له مع ثقته بأنّ التحذير لا يثير في نفسه كراهة لإخوته لأنّه وثق منه بكمال العقل ، وصفاء السريرة ، ومكارم الخلق. ومن كان حاله هكذا كان سمحا ، عاذرا ، معرضا عن الزلّات ، عالما بأثر الصبر في رفعة الشأن ، ولذلك قال لإخوته (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[سورة يوسف : ٩٠] وقال : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)[سورة يوسف : ٩٢]. وقد قال أحد ابني آدم ـ عليهالسلام ـ لأخيه الذي قال له لأقتلنّك حسدا (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) [سورة المائدة : ٢٨]. فلا يشكل كيف حذّر يعقوب يوسف ـ عليهماالسلام ـ من كيد إخوته ، ولذلك عقب كلامه بقوله : (إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) ليعلم أنه ما حذّره إلّا من نزغ الشيطان في نفوس إخوته. وهذا كاعتذار النبي صلىاللهعليهوسلم للرّجلين من الأنصار اللذين لقياه ليلا وهو يشيّع زوجه أمّ المؤمنين إلى بيتها فلمّا رأياه ولّيا ، فقال : «على رسلكما إنها صفية ، فقالا : سبحان الله يا رسول الله وأكبرا ذلك ، فقال لهما : إنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وإني خشيت أن يقذف في نفوسكما». فهذه آية عبرة بتوسّم يعقوب ـ عليهالسلام ـ أحوال أبنائه وارتيائه أن يكفّ كيد بعضهم لبعض.
فجملة (إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ) إلخ واقعة موقع التعليل للنهي عن قصّ الرؤيا على