بما أمر الله لا لأجل الانتصاب لخوارق العادات.
والتلاوة : القراءة. فالمقصود لتقرأ عليهم القرآن ، كقوله : (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) [سورة النمل : ٩٢] الآية.
وفيه إيماء إلى أن القرآن هو معجزته لأنه ذكره في مقابلة إرسال الرسل الأولين ومقابلة قوله : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) [سورة الرعد : ٧]. وقد جاء ذلك صريحا في قوله : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) [سورة العنكبوت : ٥١]. وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما من الأنبياء نبي إلا أوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي».
وجملة (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) عطف على جملة (كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ) ، أي أرسلناك بأوضح الهداية وهم مستمرون على الكفر لم تدخل الهداية قلوبهم ، فالضمير عائد إلى المشركين المفهومين من المقام لا إلى (أُمَّةٍ) لأن الأمة منها مؤمنون.
والتعبير بالمضارع في (يَكْفُرُونَ) للدلالة على تجدد ذلك واستمراره. ومعنى كفرهم بالله إشراكهم معه غيره في الإلهية ، فقد أبطلوا حقيقة الإلهية فكفروا به.
واختيار اسم (الرحمن) من بين أسمائه تعالى لأن كفرهم بهذا الاسم أشد لأنهم أنكروا أن يكون الله رحمان. قال تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ) في سورة الفرقان [٦٠] ، فأشارت الآية إلى كفرين من كفرهم : جحد الوحدانية ، وجحد اسم الرحمن ؛ ولأن لهذه الصفة مزيد اختصاص بتكذيبهم الرسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ وتأييده بالقرآن لأن القرآن هدى ورحمة للناس. وقد أرادوا تعويضه بالخوارق التي لا تكسب هديا بذاتها ولكنها دالة على صدق من جاء بها.
قال مقاتل وابن جريج : نزلت هذه الآية في صلح الحديبية حين أرادوا أن يكتبوا كتاب الصلح فقال النبي صلىاللهعليهوسلم للكاتب «اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل بن عمرو : ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة ، يعني مسيلمة ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم «اكتب باسمك اللهم». ويبعده أن السورة مكية كما تقدم.
وعن ابن عباس نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلىاللهعليهوسلم «اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن» فنزلت.
وقد لقن النبي صلىاللهعليهوسلم بإبطال كفرهم المحكي إبطالا جامعا بأن يقول : (هُوَ رَبِّي) ،