وجملة (بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً) عطف على (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً) بحرف الإضراب ، أي ليس ذلك من شأن الكتب بل لله أمر كل محدث فهو الذي أنزل الكتاب وهو الذي يخلق العجائب إن شاء ، وليس ذلك إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ولا عند سؤالكم ، فأمر الله نبيئه بأن يقول هذا الكلام إجراء لكلامهم على خلاف مرادهم على طريقة الأسلوب الحكيم ، لأنهم ما أرادوا بما قالوه إلا التهكم ، فحمل كلامهم على خلاف مرادهم تنبيها على أن الأولى بهم أن ينظروا هل كان في الكتب السابقة قرآن يتأتى به مثل ما سألوه.
ومثل ذلك قول الحجاج للقبعثري : لأحملنّك على الأدهم (يريد القيد). فأجابه القبعثري بأن قال : مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب ، فصرفه إلى لون فرس.
والأمر هنا : التصرف التكويني ، أي ليس القرآن ولا غيره بمكوّن شيئا مما سألتم بل الله الذي يكوّن الأشياء.
وقد أفادت الجملتان المعطوفة والمعطوف عليها معنى القصر لأن العطف ب (بَلْ) من طرق القصر ، فاللام في قوله : (الْأَمْرُ) للاستغراق ، و (جَمِيعاً) تأكيد له. وتقديم المجرور على المبتدأ لمجرد الاهتمام لأن القصر أفيد ب (بَلْ) العاطفة.
وفرع على الجملتين (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً) استفهاما إنكاريا إنكارا لانتفاء يأسي الذين آمنوا ، أي فهم حقيقون بزوال يأسهم وأن يعلموا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا.
وفي هذا الكلام زيادة تقرير لمضمون جملة (قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) [سورة الرعد : ٢٧].
و (يَيْأَسِ) بمعنى يوقن ويعلم ، ولا يستعمل هذا الفعل إلا مع (أَنَ) المصدرية ، وأصله مشتق من اليأس الّذي هو تيقّن عدم حصول المطلوب بعد البحث ، فاستعمل في مطلق اليقين على طريقة المجاز المرسل بعلاقة اللزوم لتضمن معنى اليأس معنى العلم وشاع ذلك حتى صار حقيقة ، ومنه قول سحيم بن وثيل الرياحي :
أقول لهم بالشّعب إذ ييسرونني |
|
ألم تأيسوا أني ابن فارس زهدم |
وشواهد أخرى.
وقد قيل : إن استعمال يئس بمعنى علم لغة هوازن أو لغة بني وهبيل (فخذ من النخع سمي باسم جد). وليس هنالك ما يلجئ إلى هذا. هذا إذا جعل (أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ)