يجوز أن تكون عطفا على جملة (كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ) لأن المقصود من الجملة المعطوف عليها أن رسالته لم تكن إلا مثل رسالة غيره من الرسل ـ عليهمالسلام ـ كما أشار إليه صفة (أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ) ، فتكون جملة (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً) تتمة للجواب عن قولهم : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ).
ويجوز أن تكون معترضة بين جملة (قُلْ هُوَ رَبِّي) وبين جملة (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ) [سورة الرعد : ٣٣] كما سيأتي هنالك. ويجوز أن تكون محكية بالقول عطفا على جملة (هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ).
والمعنى : لو أن كتابا من الكتب السالفة اشتمل على أكثر من الهداية فكانت مصادر لإيجاد العجائب لكان هذا القرآن كذلك ولكن لم يكن قرآن كذلك ، فهذا القرآن لا يتطلب منه الاشتمال على ذلك إذ ليس ذلك من سنن الكتب الإلهية.
وجواب (لَوْ) محذوف لدلالة المقام عليه. وحذف جواب (لَوْ) كثير في القرآن كقوله : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) [سورة الأنعام : ٢٧] وقوله : (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) [سورة السجدة : ١٢].
ويفيد ذلك معنى تعريضيا بالنداء عليهم بنهاية ضلالتهم ، إذ لم يهتدوا بهدي القرآن ودلائله والحال لو أن قرآنا أمر الجبال أن تسير والأرض أن تتقطع والموتى أن تتكلم لكان هذا القرآن بالغا ذلك ولكن ذلك ليس من شأن الكتب ، فيكون على حدّ قول أبيّ بن سلمى من الحماسة :
ولو طار ذو حافر قبلها |
|
لطارت ولكنه لم يطر |
ووجه تخصيص هذه الأشياء الثلاثة من بين الخوارق المفروضة ما رواه الواحدي والطبري عن ابن عباس : أن كفار قريش ، أبا جهل وابن أبي أميّة وغيرهما جلسوا خلف الكعبة ثم أرسلوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : لو وسّعت لنا جبال مكّة فسيرتها حتى تتسع أرضنا فنحترثهما فإنها ضيقة ، أو قرّب إلينا الشام فإنا نتجر إليها ، أو أخرج قصيا نكلمه.
وقد يؤيد هذه الرواية أنه تكرر فرض تكليم الموتى بقوله في سورة الأنعام (وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى) [سورة الأنعام : ١١١] ، فكان في ذكر هذه الأشياء إشارة إلى تهكمهم. وعلى هذا يكون (قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ) قطعت مسافات الأسفار كقوله تعالى : (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ) [سورة الأنعام : ٩٤].