أشعره بما توسّمه من عناية الله به ليزداد إقبالا على الكمال بقوله : (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ).
والتّأويل : إرجاع الشيء إلى حقيقته ودليله. وتقدّم عند قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) [سورة آل عمران : ٧].
و (الْأَحادِيثِ) : يصحّ أن يكون جمع حديث بمعنى الشيء الحادث ، فتأويل الأحاديث : إرجاع الحوادث إلى عللها وأسبابها بإدراك حقائقها على التمام. وهو المعنى بالحكمة ، وذلك بالاستدلال بأصناف الموجودات على قدرة الله وحكمته ، ويصحّ أن يكون الأحاديث جمع حديث بمعنى الخبر المتحدّث به ، فالتأويل : تعبير الرؤيا. سمّيت أحاديث لأنّ المرائيّ يتحدث بها الراءون وعلى هذا المعنى حملها بعض المفسرين. واستدلوا بقوله في آخر القصة (وَقالَ يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ) [سورة يوسف : ١٠٠]. ولعلّ كلا المعنيين مراد بناء على صحة استعمال المشترك في معنييه وهو الأصح ، أو يكون اختيار هذا اللفظ إيجازا معجزا ، إذ يكون قد حكي به كلام طويل صدر من يعقوب ـ عليهالسلام ـ بلغته يعبّر عن تأويل الأشياء بجميع تلك المعاني.
وإتمام النعمة عليه هو إعطاؤه أفضل النعم وهي نعمة النبوءة ، أو هو ضميمة الملك إلى النبوءة والرسالة ، فيكون المراد إتمام نعمة الاجتباء الأخروي بنعمة المجد الدنيوي.
وعلم يعقوب ـ عليهالسلام ـ ذلك من دلالة الرؤيا على سجود الكواكب والنيرين له ، وقد علم يعقوب ـ عليهالسلام ـ تأويل تلك بإخوته وأبويه أو زوج أبيه وهي خالة يوسف ـ عليهالسلام ـ ، وعلم من تمثيلهم في الرؤيا أنّهم حين يسجدون له يكون أخوته قد نالوا النبوءة ، وبذلك علم أيضا أنّ الله يتمّ نعمته على إخوته وعلى زوج يعقوب ـ عليهالسلام ـ بالصديقية إذا كانت زوجة نبيء. فالمراد من آل يعقوب خاصتهم وهم أنباؤه وزوجه ، وإن كان المراد بإتمام النعمة ليوسف ـ عليهالسلام ـ إعطاء الملك فإتمامها على آل يعقوب هو أن زادهم على ما أعطاهم من الفضل نعمة قرابة الملك ، فيصح حينئذ أن يكون المراد من آله جميع قرابته.
والتّشبيه في قوله : (كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ) تذكير له بنعم سابقة ، وليس ممّا دلت عليه الرؤيا. ثم إن كان المراد من إتمام النعمة النبوءة فالتّشبيه تام ، وإن كان المراد من إتمام النعمة الملك فالتشبيه في إتمام النعمة على الإطلاق.
وجعل إبراهيم وإسحاق ـ عليهماالسلام ـ أبوين له لأنّ لهما ولادة عليه ، فهما أبواه