تجري به تصرفات الخلائق.
والأجل : الوقت الموقت به عمل معزوم أو موعود.
والكتاب : المكتوب ، وهو كناية عن التحديد والضبط ، لأن شأن الأشياء التي يراد تحققها أن تكتب لئلا يخالف عليها. وفي هذا الرد تعريض بالوعيد. والمعنى : لكل واقع أجل يقع عنده ، ولكل أجل كتاب ، أي تعيين وتحديد لا يتقدمه ولا يتأخر عنه.
وجملة (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ) مستأنفة استئنافا بيانيا لأن جملة (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) تقتضي أن الوعيد كائن وليس تأخيره مزيلا له. ولما كان في ذلك تأييس للناس عقب بالإعلام بأن التوبة مقبولة وبإحلال الرجاء محلّ اليأس ، فجاءت جملة (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) احتراسا.
وحقيقة المحو : إزالة شيء ، وكثر في إزالة الخط أو الصورة ، ومرجع ذلك إلى عدم المشاهدة ، قال تعالى : (فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) [سورة الإسراء : ١٢]. ويطلق مجازا على تغيير الأحوال وتبديل المعاني كالأخبار والتكاليف والوعد والوعيد فإن لها نسبا ومفاهيم إذا صادفت ما في الواقع كانت مطابقتها إثباتا لها وإذا لم تطابقه كان عدم مطابقتها محوا لأنه إزالة لمدلولاتها.
والتثبت : حقيقته جعل الشيء ثابتا قارا في مكان ، قال تعالى : (إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا) [سورة الأنفال : ٤٥]. ويطلق مجازا على أضداد معاني المحو المذكورة. فيندرج في ما تحتمله الآية عدة معان : منها أنه يعدم ما يشاء من الموجودات ويبقي ما يشاء منها ، ويعفو عما يشاء من الوعيد ويقرر ، وينسخ ما يشاء من التكاليف ويبقي ما يشاء.
وكل ذلك مظاهر لتصرف حكمته وعلمه وقدرته. وإذ قد كانت تعلقات القدرة الإلهية جارية على وفق علم الله تعالى كان ما في علمه لا يتغير فإنه إذا أوجد شيئا كان عالما أنه سيوجده ، وإذا أزال شيئا كان عالما أنه سيزيله وعالما بوقت ذلك.
وأبهم الممحو والمثبت بقوله : (ما يَشاءُ) لتتوجه الأفهام إلى تعرّف ذلك والتدبر فيه لأن تحت ذا الموصول صورا لا تحصى ، وأسباب المشيئة لا تحصى.
ومن مشيئة الله تعالى محو الوعيد أن يلهم المذنبين التوبة والإقلاع ويخلق في قلوبهم داعية الامتثال. ومن مشيئة التثبيت أن يصرف قلوب قوم عن النظر في تدارك أمورهم ، وكذلك القول في العكس من تثبيت الخير ومحوه.