«يمحو الله ما يشاء ويثبت إلّا السعادة والشقاوة والموت». وروى مثله عن مجاهد. وروى عن ابن عباس (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) إلا أشياء الخلق ـ بفتح الخاء وسكون اللام ـ والخلق ـ بضم الخاء واللام ـ والأجل والرزق والسعادة والشقاوة ، (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) الذي لا يتغيّر منه شيء. قلت : وقد تفرع على هذا قول الأشعري : إن السعادة والشقاوة لا يتبدلان خلافا للماتريدي.
وعن عمر وابن مسعود ما يقتضي أن السعادة والشقاوة يقبلان المحو والإثبات.
فإذا حمل المحو على ما يجمع معاني الإزالة ، وحمل الإثبات على ما يجمع معاني الإبقاء ، وإذا حمل معنى (أُمُّ الْكِتابِ) على معنى ما لا يقبل إزالة ما قرر أنه حاصل أو أنه موعود به ولا يقبل إثبات ما قرر انتفاؤه ، سواء في ذلك الأخبار والأحكام ، كان ما في أم الكتاب قسيما لما يمحى ويثبت.
وإذا حمل على أن ما يقبل المحو والإثبات معلوم لا يتغيّر علم الله به كان ما في أم الكتاب تنبيها على أن التغييرات التي تطرأ على الأحكام أو على الأخبار ما هي إلا تغييرات مقررة من قبل وإنما كان الإخبار عن إيجادها أو عن إعدامها مظهرا لما اقتضته الحكمة الإلهية في وقت ما.
و (أُمُّ الْكِتابِ) لا محالة شيء مضاف إلى الكتاب الذي ذكر في قوله : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ). فإن طريقة إعادة النكرة بحرف التعريف أن تكون المعادة عين الأولى بأن يجعل التعريف تعريف العهد ، أي وعنده أم ذلك الكتاب ، وهو كتاب الأجل.
فكلمة (أُمُ) مستعملة مجازا فيما يشبه الأم في كونها أصلا لما تضاف إليه (أُمُ) لأن الأمّ يتولد منها المولود فكثر إطلاق أمّ الشيء على أصله ، فالأمّ هنا مراد به ما هو أصل للمحو والإثبات اللذين هما من مظاهر قوله : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) ، أي لما محو وإثبات المشيئات مظاهر له وصادرة عنه ، فأمّ الكتاب هو علم الله تعالى بما سيريد محوه وما سيريد إثباته كما تقدم.
والعندية عندية الاستئثار بالعلم وما يتصرف عنه ، أي وفي ملكه وعلمه أمّ الكتاب لا يطلع عليها أحد. ولكن الناس يرون مظاهرها دون اطلاع على مدى ثبات تلك المظاهر وزوالها ، أي أن الله المتصرف بتعيين الآجال والمواقيت فجعل لكل أجل حدا معينا ، فيكون أصل الكتاب على هذا التفسير بمعنى كله وقاعدته.