ضمير (نَعِدُهُمْ). والكلام تهديد لهم بإيقاظهم إلى ما دب إليهم من أشباح الاضمحلال بإنقاص الأرض ، أي سكانها.
والرؤية يجوز أن تكون بصرية. والمراد : رؤية آثار ذلك النقص ؛ ويجوز أن تكون علمية ، أي ألم يعملوا ما حل بأرضي الأمم السابقة من نقص.
وتعريف (الْأَرْضَ) تعريف الجنس ، أي نأتي أية أرض من أرضي الأمم. وأطلقت الأرض هنا على أهلها مجازا ، كما في قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ)[سورة يوسف : ٨٢] بقرينة تعلق النقص بها ، لأن النقص لا يكون في ذات الأرض ولا يرى نقص فيها ولكنه يقع فيمن عليها. وهذا من باب قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها) [سورة محمد : ١٠].
وذهب كثير من المفسرين إلى أن المراد ب (الْأَرْضَ) أرض الكافرين من قريش فيكون التعريف للعهد ، وتكون الرؤية بصرية ، ويكون ذلك إيقاظا لهم لما غلب عليه المسلمون من أرض العدوّ فخرجت من سلطانه فتنقص الأرض التي كانت في تصرفهم وتزيد الأرض الخاضعة لأهل الإسلام. وبنوا على ذلك أن هذه الآية نزلت بالمدينة وهو الذي حمل فريقا على القول بأن سورة الرعد مدنية فإذا اعتبرت مدنية صح أن تفسر الأطراف بطرفين وهما مكة والمدينة فإنهما طرفا بلاد العرب ، فمكة طرفها من جهة اليمن ، والمدينة طرف البلاد من جهة الشام ، ولم يزل عدد الكفار في البلدين في انتقاص بإسلام كفارها إلى أن تمحضت المدينة للإسلام ثم تمحضت مكة له بعد يوم الفتح.
وأيّا ما كان تفسير الآية وسبب نزولها ومكانه فهي للإنذار بأنهم صائرون إلى زوال وأنهم مغلوبون زائلون ، كقوله في الآية الأخرى في سورة الأنبياء : (أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَفَهُمُ الْغالِبُونَ) [سورة الأنبياء : ٥١] ، أي ما هم الغالبون.
وهذا إمهال لهم وإعذار لعلهم يتداركون أمرهم.
وجملة (وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) [سورة الرعد : ٤١] عطف على جملة (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا) مؤكدة للمقصود منها ، وهو الاستدلال على أن تأخير الوعيد لا يدل على بطلانه ، فاستدل على ذلك بجملة (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) ثم بجملة (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ) ثم بجملة (وَاللهُ يَحْكُمُ) ، لأن المعنى : أن ما حكم الله به من العقاب لا يبطله أحد وأنه واقع ولو تأخر.