أنهم يتطلبون الآيات الدالة على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم ، مظهرين أنهم في شك من صدقه وهم يبطنون التصميم على التكذيب. فذكرت هذه الآية أنهم قد أفصحوا تارات بما أبطنوه فنطقوا بصريح التكذيب وخرجوا من طور المكر إلى طور المجاهرة بالكفر فقالوا : (لَسْتَ مُرْسَلاً).
وقد حكي قولهم بصيغة المضارع للدلالة على تكرر ذلك منهم ولاستحضار حالهم العجيبة من الاستمرار على التكذيب بعد أن رأوا دلائل الصدق ، كما عبر بالمضارع في قوله تعالى : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ) [سورة هود : ٣٨] وقوله : (يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ) [سورة هود : ١١].
ولما كانت مقالتهم المحكية هنا صريحة لا مواربة فيها أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بجواب لا جدال فيه وهو تحكيم الله بينه وبينهم.
وقد أمر الرسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ بأن يجيبهم جواب الواثق بصدقه المستشهد على ذلك بشهادة الصدق من إشهاد الله تعالى وإشهاد العالمين بالكتب والشرائع.
ولما كانت الشهادة للرسول ـ عليه الصلاة والسّلام ـ بالصدق شهادة على الذين كفروا بأنهم كاذبون جعلت الشهادة بينه وبينهم.
وإشهاد الله في معنى الحلف على الصدق كقول هود ـ عليهالسلام ـ (إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ) [هود : ٥٤].
والباء الداخلة على اسم الجلالة الذي هو فاعل (كَفى) في المعنى للتأكيد وأصل التركيب : كفى الله. و (شَهِيداً) حال لازمة أو تمييز ، أي كفى الله من جهة الشاهد.
(وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) معطوف على اسم الجلالة.
والموصول في (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) يجوز أن يراد به جنس من يتصف بالصلة.
والمعنى : وكل من عندهم علم الكتاب. وإفراد الضمير المضاف إليه عند لمراعاة لفظ (مَنْ). وتعريف (الْكِتابِ) تعريف للعهد ، وهو التوراة ، أي وشهادة علماء الكتاب.
وذلك أن اليهود كانوا قبل هجرة النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة يستظهرون على المشركين بمجيء النبي المصدق للتوراة.
ويحتمل أن يكون المراد بمن عنده علم الكتاب معيّنا ، فهو ورقة بن نوفل إذ علم أهل مكة أنه شهد بأن ما أوحي به إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم هو الناموس الذي أنزل على موسى ـ