لمّا أفاد قوله : (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) تعريضا بالمشركين الذين اتبعوا صراط غير الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض عطف الكلام إلى تهديدهم وإنذارهم بقوله : (وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) ، أي للمشركين به آلهة أخرى.
وجملة (وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ) إنشاء دعاء عليهم في مقام الغضب والذم ، مثل قولهم : ويحك ، فعطفه من عطف الإنشاء على الخبر.
(وَوَيْلٌ) مصدر لا يعرف له فعل ، ومعناه الهلاك وما يقرب منه من سوء الحالة ، ولأنه لا يعرف له فعل كان اسم مصدر وعومل معاملة المصادر ، ينصب على المفعولية المطلقة ويرفع لإفادة الثبات ، كما تقدم في رفع (الْحَمْدُ لِلَّهِ) في سورة الفاتحة. ويقال : ويل لك وويلك ، بالإضافة. ويقال : يا ويلك ، بالنداء. وقد يذكر بعد هذا التركيب سببه فيؤتى به مجرورا بحرف (مِنْ) الابتدائية كما في قوله هنا (مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ) ، أي هلاكا ينجر لهم من العذاب الشديد الذي يلاقونه وهو عذاب النار. وتقدم الويل عند قوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) في سورة البقرة [٧٩].
والكافرون هم المعهودون وهم الذين لم يخرجوا من الظلمات إلى النور ، ولا اتبعوا صراط العزيز الحميد ، ولا انتفعوا بالكتاب الذي أنزل لإخراجهم من الظلمات إلى النور.
و (يَسْتَحِبُّونَ) بمعنى يحبون ، فالسين والتاء للتأكيد مثل استقدم واستأخر. وضمن (يَسْتَحِبُّونَ) معنى يؤثرون ، لأن المحبة تعدّت إلى الحياة الدنيا عقب ذكر العذاب الشديد لهم ، فأنبأ ذلك أنهم يحبون خير الدنيا دون خير الآخرة إذ كان في الآخرة في شقاء ، فنشأ من هذا معنى الإيثار ، فضمّنه فعدّي إلى مفعول آخر بواسطة حرف (عَلَى) في قوله : (عَلَى الْآخِرَةِ) أي يؤثرونها عليها.
وقوله : (وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً) تقدم نظيره في قوله : (أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً) في سورة الأعراف [٤٥] ، وعند قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ) في سورة آل عمران [٩٩] ، فانظره هنالك.
والصدّ عن سبيل الله : منع الداخلين في الإسلام من الدخول فيه. شبه ذلك بمن