عن أن يقال : وخابوا ، إلى قوله : (كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) لمثل الوجه الذي ذكر آنفا.
والاستفتاح : طلب الفتح وهو النصر ، قال تعالى : (إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ) [سورة الأنفال : ١٩].
والجبار : المتعاظم الشديد التكبر.
والعنيد المعاند للحق. وتقدما في قوله : (وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) في سورة هود [٥٩]. والمراد بهم المشركون المتعاظمون ، فوصف (جَبَّارٍ) خلق نفساني ، ووصف (عَنِيدٍ) من أثر وصف (جَبَّارٍ) لأن العنيد المكابر المعارض للحجة.
وبين (خافَ وَعِيدِ) و (خابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) جناس مصحف.
وقوله : (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) صفة ل (جَبَّارٍ عَنِيدٍ) ، أي خاب الجبّار العنيد في الدنيا وليس ذلك حظه من العقاب بل وراءه عقاب الآخرة.
والوراء : مستعمل في معنى ما ينتظره ويحل به من بعد ، فاستعير لذلك بجامع الغفلة عن الحصول كالشيء الذي يكون من وراء المرء لا يشعر به لأنه لا يراه ، كقوله تعالى : (وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً) [سورة الكهف : ٧٩] ، أي وهم غافلون عنه ولو ظفر بهم لا فتك سفينتهم ، وقول هدبة بن خشرم :
عسى الكرب الذي أمسيت فيه |
|
يكون وراءه فرج قريب |
وأما إطلاق الوراء على معنى من بعد فاستعمال آخر قريب من هذا وليس عينه.
والمعنى : أن جهنم تنتظره ، أي فهو صائر إليها بعد موته.
والصديد : المهلة ، أي مثل الماء يسيل من الدمل ونحوه ، وجعل الصديد ماء على التشبيه البليغ في الإسقاء ، لأن شأن الماء أن يسقى. والمعنى : ويسقى صديدا عوض الماء إن طلب الإسقاء ، ولذلك جعل (صَدِيدٍ) عطف بيان ل (ماءٍ). وهذا من وجوه التشبيه البليغ.
وعطف جملة (يُسْقى) على جملة (مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ) لأن السقي من الصديد شيء زائد على نار جهنم.
والتجرع : تكلف الجرع ، والجرع ؛ بلع الماء.