وموجب تقديم المسند إليه على المسند في (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا) أن المستفهم عنه كون المستكبرين يغنون عنهم لا أصل الغناء عنهم ، لأنهم آيسون منه لما رأوا آثار الغضب الإلهي عليهم وعلى سادتهم. كما تدلّ عليه حكاية قول المستكبرين (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) ، فعلموا أنهم قد غروهم في الدنيا ، فتعيّن أن الاستفهام مستعمل في التورّك والتوبيخ والتبكيت ، أي فأظهروا مكانتكم عند الله التي كنتم تدعونها وتغروننا بها في الدنيا. فإيلاء المسند إليه حرف الاستفهام قرينة على أنه استفهام غير حقيقي ، وبينه ما في نظيره من سورة غافر [٤٧ ، ٤٨](وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ).
و (مِنْ) في قوله : (مِنْ عَذابِ اللهِ) بدلية ، أي غناء بدلا عن عذاب الله ..
و (مِنْ) في قوله : (مِنْ شَيْءٍ) مزيدة لوقوع مدخولها في سياق الاستفهام بحرف هل. و (شَيْءٍ) في معنى المصدر ، وحقه النصب على أنه مفعول مطلق فوقع جرّه بحرف الجر الزائد. والمعنى : هل تغنون عنا شيئا.
وجواب المستكبرين اعتذار عن تغريرهم بأنهم ما قصدوا به توريط أتباعهم كيف وقد ورطوا أنفسهم أيضا ، أي لو كنا نافعين لنفعنا أنفسنا. وهذا الجواب جار على معنى الاستفهام التوبيخي العتابي إذ لم يجيبوهم بأنا لا نملك لكم غناء ولكن ابتدءوا بالاعتذار عما صدر منهم نحوهم في الدنيا علما بأن الضعفاء عالمون بأنهم لا يملكون لهم غناء من العذاب.
وجملة (سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا) من كلام الذين استكبروا. وهي مستأنفة تبيين عن سؤال من الضعفاء يستفتون المستكبرين أيصبرون أم يجزعون تطلبا للخلاص من العذاب ، فأرادوا تأييسهم من ذلك يقولون : لا يفيدنا جزع ولا صبر ، فلا نجاة من العذاب. فضمير المتكلم المشارك شامل للمتكلمين والمجابين ، جمعوا أنفسهم إتماما للاعتذار عن توريطهم.
والجزع : حزن مشوب باضطراب ، والصبر تقدم.
وجملة (ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ) واقعة موقع التعليل لمعنى الاستواء ، أي حيث لا محيص ولا نجاة فسواء الجزع والصبر.