والإصراخ : الإغاثة ، اشتق من الصراخ لأن المستغيث يصرخ بأعلى صوته ، فقيل : أصرخه ، إذا أجاب صراخه ، كما قالوا : أعتبه ، إذا قبل استعتابه. وأما عطف (وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ) فالمقصود منه استقصاء عدم غناء أحدهما عن الآخر.
وقرأ الجمهور (بِمُصْرِخِيَ) بفتح التحتية مشددة. وأصله بمصرخيي بياءين أولاهما ياء جمع المذكر المجرور ، وثانيتهما ياء المتكلم ، وحقها السكون فلما التقت الياءان ساكنتين وقع التخلص من التقاء الساكنين بالفتحة لخفة الفتحة.
وقرأ حمزة وخلف «بمصرخيّ» ـ بكسر الياء ـ تخلصا من التقاء الساكنين بالكسرة لأن الكسر هو أصل التخلص من التقاء الساكنين. قال الفراء : تحريك الياء بالكسر لأنه الأصل في التخلص من التقاء الساكنين ، إلا أن كسر ياء المتكلم في مثله نادر. وأنشد في تنظير هذا التخلص بالكسر قول الأغلب العجلي :
قال لها هل لك يا تافيّ |
|
قالت له : ما أنت بالمرضيّ |
أراد هل لك فيّ يا هذه. وقال أبو علي الفارسي : زعم قطرب أنها لغة بني يربوع. وعن أبي عمرو بن العلاء أنه أجاز الكسر. واتفق الجميع على أن التخلص بالفتحة في مثله أشهر من التخلص بالكسرة وإن كان التخلص بالكسرة هو القياس ، وقد أثبته سند قراءة حمزة. وقد تحامل عليه الزجاج وتبعه الزمخشري وسبقهما في ذلك أبو عبيد والأخفش بن سعيد وابن النحاس ولم يطلع الزجاج والزمخشري على نسبة ذلك البيت للأغلب العجلي.
والذي يظهر لي أن هذه القراءة قرأ بها بنو يربوع من تميم ، وبنو عجل بن لجيم من بكر بن وائل ، فقرءوا بلهجتهم أخذا بالرخصة للقبائل أن يقرءوا القرآن بلهجاتهم وهي الرخصة التي أشار إليها قول النبي صلىاللهعليهوسلم «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه» كما تقدم في المقدمة السادسة من مقدمات هذا التفسير ، ثم نسخت تلك الرخصة بقراءة النبي صلىاللهعليهوسلم في الأعوام الأخيرة من حياته المباركة ولم يثبت مما ينسخها في هذه الآية. واستقر الأمر على قبول كل قراءة صح سندها ووافقت وجها في العربية ولم تخالف رسم المصحف الإمام. وهذه الشروط متوفرة في قراءة حمزة هذه كما علمت آنفا فقصارى أمرها أنها تتنزل منزلة ما ينطق به أحد فصحاء العرب على لغة بعض قبائلها بحيث لو قرئ بها في الصلاة لصحت عند مالك وأصحابه.
وجملة (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) استئناف تنصّل آخر من تبعات عبادتهم إياه قصد منه دفع زيادة العذاب عنه بإظهار الخضوع لله تعالى. وأراد بقوله : (كَفَرْتُ)