[سورة إبراهيم : ٣٧] ، أو هو حوالة على ما في علم العرب من أنه مكة. وقد مضى في سورة البقرة تفسير نظيره. والتعريف هنا للعهد ، والتنكير في آية البقرة تنكير النوعية ، فهنا دعا للبلد بأن يكون آمنا ، وفي آية سورة البقرة دعا لمشار إليه أن يجعله الله من نوع البلاد الآمنة ، فمآل المفادين متحد.
(وَاجْنُبْنِي) أمر من الثلاثي المجرد ، يقال : جنبه الشيء ، إذا جعله جانبا عنه ، أي باعده عنه ، وهي لغة أهل نجد. وأهل الحجاز يقولون : جنبه بالتضعيف أو أجنبه بالهمز. وجاء القرآن هنا بلغة أهل نجد لأنها أخف.
وأراد ببنيه أبناء صلبه ، وهم يومئذ إسماعيل وإسحاق ، فهو من استعمال الجمع في التثنية ، أو أراد جميع نسله تعميما في الخير فاستجيب له في البعض.
والأصنام : جمع صنم ، وهو صورة أو حجارة أو بناء يتخذ معبودا ويدعى إلها. وأراد إبراهيم ـ عليهالسلام ـ مثل ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، أصنام قوم نوح. ومثل الأصنام التي عبدها قوم إبراهيم.
وإعادة النداء في قوله : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) لإنشاء التحسر على ذلك.
وجملة (إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) تعليل للدعوة بإجنابه عبادتها بأنها ضلال راج بين كثير من الناس ، فحق للمؤمن الضنين بإيمانه أن يخشى أن تجترفه فتنتها ، فافتتاح الجملة بحرف التوكيد لما يفيده حرف (إنّ) في هذا المقام من معنى التعليل.
وذلك أن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ خرج من بلده أور الكلدانيين إنكارا على عبدة الأصنام، فقال : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) [سورة الصافات : ٩٩] وقال لقومه : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [سورة مريم : ٤٨]. فلما مر بمصر وجدهم يعبدون الأصنام ثم دخل فلسطين فوجدهم عبدة أصنام ، ثم جاء عربة تهامة فأسكن بها زوجه فوجدها خالية ووجد حولها جرهم قوما على الفطرة والسذاجة فأسكن بها هاجر وابنه إسماعيل ـ عليهالسلام ـ. ثم أقام هنالك معلم التوحيد. وهو بيت الله الكعبة بناه هو وابنه إسماعيل ، وأراد أن يكون مأوى التوحيد ، وأقام ابنه هنالك ليكون داعية للتوحيد. فلا جرم سأل أن يكون ذلك بلدا آمنا حتى يسلم ساكنوه وحتى يأوي إليهم من إذا آوى إليهم لقنوه أصول التوحيد.