و (مِنْ) في قوله : (مِنْ ذُرِّيَّتِي) بمعنى بعض ، يعني إسماعيل ـ عليهالسلام ـ ، وهو بعض ذريته ، فكأن هذا الدعاء صدر من إبراهيم ـ عليهالسلام ـ بعد زمان من بناء الكعبة وتقري مكة ، كما دل عليه قوله في دعائه هذا (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) [سورة إبراهيم : ٣٩] ، فذكر إسحاق ـ عليهالسلام ـ.
والواد : الأرض بين الجبال ، وهو وادي مكة. و (غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) صفة ، أي بواد لا يصلح للنبت لأنه حجارة ، فإن كلمة ذو تدلّ على صاحب ما أضيفت إليه وتمكنه منه ، فإذا قيل : ذو مال ، فالمال ثابت له ، وإذا أريد ضد ذلك قيل غير ذي كذا ، كقوله تعالى : (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) [سورة الزمر : ٢٨] ، أي لا يعتريه شيء من العوج. ولأجل هذا الاستعمال لم يقل بواد لا يزرع أو لا زرع به.
و (عِنْدَ بَيْتِكَ) صفة ثانية لواد أو حال.
والمحرم : الممنع من تناول الأيدي إياه بما يفسده أو يضر أهله بما جعل الله له في نفوس الأمم من التوقير والتعظيم ، وبما شاهدوه من هلكة من يريد فيه بإلحاد بظلم. وما أصحاب الفيل منهم ببعيد.
وعلق (لِيُقِيمُوا) ب (أَسْكَنْتُ) ، أي علة الإسكان بذلك الوادي عند ذلك البيت أن لا يشغلهم عن إقامة الصلاة في ذلك البيت شاغل فيكون البيت معمورا أبدا.
وتوسيط النداء للاهتمام بمقدمة الدعاء زيادة في الضراعة. وتهيّأ بذلك أن يفرع عليه الدعاء لهم بأن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم ، لأن همة الصالحين في إقامة الدين.
والأفئدة : جمع فؤاد ، وهو القلب. والمراد به هنا النفس والعقل.
والمراد فاجعل أناسا يهوون إليهم. فأقحم لفظ الأفئدة لإرادة أن يكون مسير الناس إليهم عن شوق ومحبة حتى كأن المسرع هو الفؤاد لا الجسد فلما ذكر (أَفْئِدَةً) لهذه النكتة حسن بيانه بأنهم (مِنَ النَّاسِ) ، ف (مِنْ) بيانية لا تبعيضية ، إذ لا طائل تحته. والمعنى : فاجعل أناسا يقصدونهم بحبات قلوبهم.
وتهوي ـ مضارع هوى ـ بفتح الواو ـ : سقط. وأطلق هنا على الإسراع في المشي استعارة ، كقول امرئ القيس :
كجلمود صخر حطّه السيل من عل