تعيين. ونظيره قوله تعالى : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) [سورة الجمعة : ٥] أي فرد من الحمير غير معيّن ، وقرينة إرادة الفرد دون الجنس إسناد حمل الأسفار إليه لأنّ الجنس لا يحمل. ومنه قولهم : (ادخل السوق) إذا أردت فردا من الأسواق غير معين ، وقولك : ادخل ، قرينة على ما ذكر. وهذا التّعريف شبيه بالنّكرة في المعنى إلّا أنّه مراد به فرد من الجنس. وقريب من هذا التّعريف باللّام التعريف بعلم الجنس ، والفرق بين هذه اللام وبين المنكّر كالفرق بين علم الجنس والنكرة.
فالمعنى : أخاف أن يأكله الذّئب ، أي يقتله فيأكل منه فإنّكم تبعدون عنه ، لما يعلم من إمعانهم في اللّعب والشّغل باللهو والمسابقة ، فتجتري الذئاب على يوسف ـ عليهالسلام ـ.
والذئب : حيوان من الفصيلة الكلبيّة ، وهو كلب برّي وحشيّ. من خلقه الاحتيال والنفور. وهو يفترس الغنم. وإذا قاتل الإنسان فجرحه ورأى عليه الدم ضرى به فربّما مزّقه.
وإنّما ذكر يعقوب ـ عليهالسلام ـ أنّ ذهابهم به غدا يحدث به حزنا مستقبلا (١) ليصرفهم عن الإلحاح في طلب الخروج به لأنّ شأن الابن البار أن يتّقي ما يحزن أباه.
وتأكيد الجملة بحرف التّأكيد لقطع إلحاحهم بتحقيق أنّ حزنه لفراقه ثابت ، تنزيلا لهم منزلة من ينكر ذلك ، إذ رأى إلحاحهم. ويسري التّأكيد إلى جملة (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ).
فأبوا إلّا المراجعة قالوا : (لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ).
واللّام في (لَئِنْ أَكَلَهُ) موطّئة للقسم ، أرادوا تأكيد الجواب باللّام. وإنّ ولام الابتداء وإذن الجوابيّة تحقيقا لحصول خسرانهم على تقدير حصول الشّرط. والمراد : الكناية عن عدم تفريطهم فيه وعن حفظهم إيّاه لأنّ المرء لا يرضى أن يوصف بالخسران.
__________________
(١) ذهب جمع كثير من النحاة فيهم الزمخشري في «الكشاف» و «المفصل» إلى أن لام الابتداء إذا دخلت على المضارع تخلصه لزمن الحال ، وخالفهم كثير من البصريين. والتحقيق أن ذلك غالب لا مطرد. فهذه الآية وقوله تعالى : أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا [مريم : ٦٦] تشهدان لعدم اطراد هذا الحكم.