ولا تنوط بها حكما ، وإنما يناط الحكم بالبينة.
جاءت امرأة إلى شريح تخاصم في شيء وكانت مبطلة فجعلت تبكي ، وأظهر شريح عدم الاطمئنان لدعواها ، فقيل له : أما تراها تبكي؟! فقال : قد جاء إخوة يوسف ـ عليهالسلام ـ أباهم عشاء يبكون وهم ظلمة كذبة ، لا ينبغي لأحد أن يقضي إلا بالحق. قال ابن العربي : قال علماؤنا : هذا يدلّ على أن بكاء المرء لا يدل على صدق مقاله لاحتمال أن يكون تصنّعا. ومن الخلق من لا يقدر على ذلك ومنهم من يقدر.
قلت : ومن الأمثال «دموع الفاجر بيديه» وهذه عبرة في هذه العبرة.
والاستباق : افتعال من السبق وهو هنا بمعنى التسابق قال في «الكشاف» : «والافتعال والتفاعل يشتركان كالانتضال والتناضل ، والارتماء والترامي ، أي فهو بمعنى المفاعلة. ولذلك يقال : السباق أيضا. كما يقال النضال والرماء». والمراد : الاستباق بالجري على الأرجل ، وذلك من مرح الشباب ولعبهم.
والمتاع : ما يتمتع أي ينتفع به. وتقدم في قوله تعالى : (لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ) في سورة النساء [١٠٢]. والمراد به هنا ثقلهم من الثياب والآنية والزاد.
ومعنى (فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ) قتله وأكل منه ، وفعل الأكل يتعلق باسم الشيء. والمراد بعضه. يقال أكله الأسد إذا أكل منه. قال تعالى : (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) [سورة المائدة : ٣] عطفا على المنهيات عن أن يؤكل منها ، أي بقتلها.
ومن كلام عمر حين طعنه أبو لؤلؤة «أكلني الكلب» ، أي عضّني.
والمراد بالذئب جمع من الذئاب على ما عرفت آنفا عند قوله : (وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ) [سورة يوسف : ١٣] ؛ بحيث لم يترك الذئاب منه ، ولذلك لم يقولوا فدفنّاه.
وقوله : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا) خبر مستعمل في لازم الفائدة. وهو أن المتكلم علم بمضمون الخبر. وهو تعريض بأنهم صادقون فيما ادّعوه لأنهم يعلمون أباهم لا يصدقهم فيه ، فلم يكونوا طامعين بتصديقه إياهم.
وفعل الإيمان يعدّى باللام إلى المصدّق ـ بفتح الدال ـ كقوله تعالى : (فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ) [سورة العنكبوت : ٢٦]. وتقدم بيانه عند قوله تعالى : (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) في سورة يونس [٨٣].