ونداء البشرى مجاز ، لأنّ البشرى لا تنادى ، ولكنها شبّهت بالعاقل الغائب الذي احتيج إليه فينادى كأنه يقال له : هذا آن حضورك. ومنه : يا حسرتا ، ويا عجبا ، فهي مكنية وحرف النداء تخييل أو تبعية.
والمعنى : أنه فرح وابتهج بالعثور على غلام.
وقرأ الجمهور يا بشراي بإضافة البشرى إلى ياء المتكلم. وقرأ عاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف بدون إضافة.
واسم الإشارة عائد إلى ذات يوسف ـ عليهالسلام ـ ؛ خاطب الوارد بقية السيّارة ، ولم يكونوا يرون ذات يوسف ـ عليهالسلام ـ حين أصعده الوارد من الجب ، إذ لو كانوا يرونه لما كانت فائدة لتعريفهم بأنه غلام إذ المشاهدة كافية عن الإعلام ، فتعين أيضا أنهم لم يكونوا مشاهدين شبح يوسف ـ عليهالسلام ـ حين ظهر من الجب ، فالظاهر أن اسم الإشارة في مثل هذا المقام لا يقصد به الدلالة على ذات معيّنة مرئية بل يقصد به إشعار السامع بأنه قد حصل شيء فرح به غير مترقب ، كما يقول الصائد لرفاقه : هذا غزال! وكما يقول الغائص: هذه صدقة! أو لؤلؤة! ويقول الحافر للبئر : هذا الماء! قال النابغة يصف الصائد وكلابه وفرسه :
يقول راكبه الجنيّ مرتفقا |
|
هذا لكنّ ولحم الشاة محجور |
وكان الغائصون إذا وجدوا لؤلؤة يصيحون. قال النابغة :
أو درّة صدفية غوّاصها |
|
بهج متى يرها يهلّ ويسجد |
والمعنى : وجدت في البئر غلاما ، فهو لقطة ، فيكون عبدا لمن التقطه. وذلك سبب ابتهاجه بقوله : يا بشراي هذا غلام.
والغلام : من سنه بين العشر والعشرين. وكان سنّ يوسف ـ عليهالسلام ـ يومئذ سبع عشرة سنة.
وكان هؤلاء السيارة من الإسماعيليين كما في التّوراة ، أي أبناء إسماعيل بن إبراهيم. وقيل : كانوا من أهل مدين وكان مجيئهم الجب للاستقاء منها ، ولم يشعر بهم إخوة يوسف إذ كانوا قد ابتعدوا عن الجب.
ومعنى (أَسَرُّوهُ) أخفوه. والضمير للسيارة لا محالة ، أي أخفوا يوسف ـ عليه