فيكون الكاف في محل نصب على المفعول المطلق. والتقدير : مكنا ليوسف تمكينا كذلك التمكين.
وإن أجرينا على ما يحتمله اللفظ كانت لحاصل المذكور آنفا ، وهو ما يفيده عثور السيارة عليه من أنه إنجاء له عجيب الحصول بمصادفة عدم الإسراع بانتشاله من الجب ، أي مكنا ليوسف ـ عليهالسلام ـ تمكينا من صنعنا ، مثل ذلك الإنجاء الذي نجيناه ، فتكون الكاف في موضع الحال من مصدر مأخوذ من (مَكَّنَّا). ونظيره (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) في سورة الأنعام [١٠٨].
والتمكين في الأرض هنا مراد به ابتداؤه وتقدير أول أجزائه ، فيوسف ـ عليهالسلام ـ بحلوله محل العناية من عزيز مصر قد خطّ له مستقبل تمكينه من الأرض بالوجه الأتمّ الذي أشير له بقوله تعالى بعد : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ) [سورة يوسف : ٥٦] ، فما ذكر هنالك هو كردّ العجز على الصدر مما هنا ، وهو تمامه.
وعطف على (وَكَذلِكَ) علة لمعنى مستفاد من الكلام ، وهو الإيتاء ، تلك العلة هي (وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) لأن الله لما قدّر في سابق علمه أن يجعل يوسف ـ عليهالسلام ـ عالما بتأويل الرؤيا وأن يجعله نبيئا أنجاه من الهلاك ، ومكن له في الأرض تهيئة لأسباب مراد الله.
وتقدم معنى تأويل الأحاديث آنفا عند ذكر قول أبيه له : (وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) [سورة يوسف : ٦] أي تعبير الرؤيا.
وجملة (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) معترضة في آخر الكلام ، وتذييل ، لأن مفهومها عامّ يشمل غلب الله إخوة يوسف ـ عليهالسلام ـ بإبطال كيدهم ، وضمير (أَمْرِهِ) عائد لاسم الجلالة.
وحرف (عَلى) بعد مادة الغلب ونحوها يدخل على الشيء الذي يتوقع فيه النزاع ، كقولهم : غلبناهم على الماء.
وأمر الله هو ما قدّره وأراده ، فمن سعى إلى عمل يخالف ما أراده الله فحاله كحال المنازع على أن يحقق الأمر الذي أراده ويمنع حصول مراد الله تعالى ولا يكون إلا ما أراده الله تعالى فشأن الله تعالى كحال الغالب لمنازعه. والمعنى والله متمم ما قدره ، ولذلك عقّبه بالاستدراك بقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) استدراكا على ما يقتضيه