مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ (٢٩))
عطف قصة على قصة ، فلا يلزم أن تكون هذه القصة حاصلة في الوجود بعد التي قبلها. وقد كان هذا الحادث قبل إيتائه النبوءة لأن إيتاء النبوءة غلب أن يكون في سن الأربعين. والأظهر أنه أوتي النبوءة والرسالة بعد دخول أهله إلى مصر وبعد وفاة أبيه. وقد تعرضت الآيات لتقرير ثبات يوسف ـ عليهالسلام ـ على العفاف والوفاء وكرم الخلق.
فالمراودة المقتضية تكرير المحاولة بصيغة المفاعلة ، والمفاعلة مستعملة في التكرير. وقيل : المفاعلة تقديرية بأن اعتبر العمل من جانب والممانعة من الجانب الآخر من العمل بمنزلة مقابلة العمل بمثله. والمراودة : مشتقة من راد يرود ، إذا جاء وذهب. شبه حال المحاول أحدا على فعل شيء مكررا ذلك. بحال من يذهب ويجيء في المعاودة إلى الشيء المذهوب عنه ، فأطلق راود بمعنى حاول.
و (عَنْ) للمجاوزة ، أي راودته مباعدة له عن نفسه ، أي بأن يجعل نفسه لها. والظاهر أن هذا التركيب من مبتكرات القرآن ، فالنفس هنا كناية عن غرض المواقعة ، قاله ابن عطية ، أي فالنفس أريد بها عفافه وتمكينها منه لما تريد ، فكأنها تراوده عن أن يسلم إليها إرادته وحكمه في نفسه.
وأما تعديته ب (على) فذلك إلى الشيء المطلوب حصوله. ووقع في قول أبي هريرة أن النبي صلىاللهعليهوسلم يراود عمه أبا طالب على الإسلام : وفي حديث الإسلاء «فقال له موسى : قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من ذلك فتركوه».
والتعبير عن امرأة العزيز بطريق الموصولية في قوله : (الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها) لقصد ما تؤذن به الصلة من تقرير عصمة يوسف ـ عليهالسلام ـ لأن كونه في بيتها من شأنه أن يطوّعه لمرادها.
و (بَيْتِها) بيت سكناها الذي تبيت فيه. فمعنى (هُوَ فِي بَيْتِها) أنه كان حينئذ في البيت الذي هي به ، ويجوز أن يكون المراد بالبيت : المنزل كله ، وهو قصر العزيز. ومنه قولهم : ربة البيت ، أي زوجة صاحب الدار ويكون معنى (هُوَ فِي بَيْتِها) أنه من جملة أتباع ذلك المنزل.