وما بعدها : أنه إن كان ذلك حصل في الماضي فقد حصل صدقها في الماضي.
والذي رأى قميصه قدّ من دبر وقال : إنه من كيدكن ، هو العزيز لا محالة. وقد استبان لديه براءة يوسف ـ عليهالسلام ـ من الاعتداء على المرأة فاكتفى بلوم زوجه بأن ادّعاءها عليه من كيد النساء ؛ فضمير جمع الإناث خطاب لها فدخل فيه من هن من صنفها بتنزيلهن منزلة الحواضر.
والكيد : فعل شيء في صورة غير المقصودة للتوصل إلى مقصود. وقد تقدم عند قوله تعالى : (إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) في سورة الأعراف [١٨٣].
ثم أمر يوسف ـ عليهالسلام ـ بالإعراض عما رمته به ، أي عدم مؤاخذتها بذلك ، وبالكف عن إعادة الخوض فيه. وأمر زوجه بالاستغفار من ذنبها ، أي في اتهامها يوسف ـ عليهالسلام ـ بالجرأة والاعتداء عليها.
قال المفسرون : وكان العزيز قليل الغيرة. وقيل : كان حليما عاقلا. ولعله كان مولعا بها ، أو كانت شبهة الملك تخفف مؤاخذة المرأة بمراودة مملوكها. وهو الذي يؤذن به حال مراودتها يوسف ـ عليهالسلام ـ حين بادرته بقولها : (هَيْتَ لَكَ) كما تقدم آنفا.
والخاطئ : فاعل الخطيئة ، وهي الجريمة. وجعلها من زمرة الذين خطئوا تخفيفا في مؤاخذتها. وصيغة جمع المذكر تغليب.
وجملة (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) من قول العزيز إذ هو صاحب الحكم.
وجملة (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) عطف على جملة (يُوسُفُ أَعْرِضْ) في كلام العزيز عطف أمر على أمر والمأمور مختلف. وكاف المؤنثة المخاطبة متعين أنه خطاب لامرأة العزيز ، فالعزيز بعد أن خاطبها بأن ما دبّرته هو من كيد النساء وجه الخطاب إلى يوسف ـ عليهالسلام ـ بالنداء ثم أعاد الخطاب إلى المرأة.
وهذا الأسلوب من الخطاب يسمى بالإقبال ، وقد يسمى بالالتفات بالمعنى اللغوي عند الالتفات البلاغي ، وهو عزيز في الكلام البليغ. ومنه قول الجرمي من طي من شعراء الحماسة :
إخالك موعدي ببني جفيف |
|
وهالة إنني أنهاك هالا |
قال المرزوقي في «شرح الحماسة» : والعرب تجمع في الخطاب والإخبار بين عدة