وقولهن : (ما هذا بَشَراً) مبالغة في فوته محاسن البشر ، فمعناه التفضيل في محاسن البشر ، وهو ضد معنى التشابه في باب التشبيه.
ثم شبّهنه بواحد من الملائكة بطريقة حصره في جنس الملائكة تشبيها بليغا مؤكّدا. وكان القبط يعتقدون وجود موجودات علوية هي من جنس الأرواح العلوية ، ويعبرون عنها بالآلهة أو قضاة يوم الجزاء ، ويجعلون لها صورا ، ولعلهم كانوا يتوخّون أن تكون ذواتا حسنة. ومنها ما هي مدافعة عن الميت يوم الجزاء. فأطلق في الآية اسم الملك على ما كانت حقيقته مماثلة لحقيقة مسمّى الملك في اللغة العربية تقريبا لأفهام السامعين.
فهذا التشبيه من تشبيه المحسوس بالمتخيل ، كقول امرئ القيس :
ومسنونة زرق كأنياب أغوال
والفاء في (فَذلِكُنَ) فاء الفصيحة ، أي إن كان هذا كما زعمتنّ ملكا فهو الذي بلغكن خبره فلمتنني فيه.
و (لُمْتُنَّنِي فِيهِ) (في) للتعليل ، مثل «دخلت امرأة النار في هرة». وهنالك مضاف محذوف ، والتقدير : في شأنه أو في محبته.
والإشارة ب (ذلكن) لتمييز يوسف ـ عليهالسلام ـ ، إذ كنّ لم يرينه قبل. والتعبير عنه بالموصولية لعدم علم النسوة بشيء من معرّفاته غير تلك الصلة ، وقد باحت لهن بأنها راودته لأنها رأت منهن الافتتان به فعلمت أنهن قد عذرنها. والظاهر أنهن كن خلائل لها فلم تكتم عنهن أمرها.
واستعصم : مبالغة في عصم نفسه ، فالسين والتاء للمبالغة ، مثل : استمسك واستجمع الرأي واستجاب. فالمعنى : أنه امتنع امتناع معصوم ، أي جاعلا المراودة خطيئة عصم نفسه منها.
ولم تزل مصممة على مراودته تصريحا بفرط حبها إياه ، واستشماخا بعظمتها ، وأن لا يعصي أمرها ، فأكدت حصول سجنه بنوني التوكيد ، وقد قالت ذلك بمسمع منه إرهابا له.
وحذف عائد صلة (ما آمُرُهُ) وهو ضمير مجرور بالباء على نزع الخافض مثل : أمرتك الخير ...