الغرض ، وهي حال الإنباء بتأويل الرؤيا وحال عدمه ، أي لا يأتي الطعام المعتاد إلا في حال أني قد نبأتكما بتأويل رؤياكما ، أي لا في حال عدمه. فالقصر المستفاد من الاستثناء إضافي.
وجردت جملة الحال من الواو (وقد) مع أنها ماضية اكتفاء بربط الاستثناء كقوله تعالى : (وَلا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ) [سورة التوبة : ١٢١].
وجملة (ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) استئناف بياني ، لأنّ وعده بتأويل الرؤيا في وقت قريب يثير عجب السائلين عن قوة علمه وعن الطريقة التي حصل بها هذا العلم ، فيجيب بأن ذلك مما علمه الله تخلصا إلى دعوتهما للإيمان بإله واحد. وكان القبط مشركين يدينون بتعدد الآلهة.
وقوله : (مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) إيذان بأنّه علّمه علوما أخرى ، وهي علوم الشريعة والحكمة والاقتصاد والأمانة كما قال : (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [سورة يوسف : ٥٥].
وزاد في الاستيناف البياني جملة (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ) لأن الإخبار بأن الله علّمه التّأويل وعلوما أخرى مما يثير السؤال عن وسيلة حصول هذا العلم ، فأخبر بأن سبب عناية الله به أنّه انفرد في ذلك المكان بتوحيد الله وترك ملة أهل المدينة ، فأراد الله اختياره لديهم ، ويجوز كون الجملة تعليلا.
والملة : الدين ، تقدم في قوله : (دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) في سورة الأنعام [١٦١].
وأراد بالقوم الذين لا يؤمنون بالله ما يشمل الكنعانيين الذين نشأ فيهم والقبط الذين شبّ بينهم ، كما يدلّ عليه قوله : (ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها) [سورة يوسف : ٣٩] ، أو أراد الكنعانيين خاصة ، وهم الذين نشأ فيهم تعريضا بالقبط الذين ماثلوهم في الإشراك. وأراد بهذا أن لا يواجههم بالتشنيع استنزالا لطائر نفورهم من موعظته.
وزيادة ضمير الفصل في قوله : (هُمْ كافِرُونَ) أراد به تخصيص قوم منهم بذلك وهم الكنعانيون ، لأنهم كانوا ينكرون البعث مثل كفار العرب. وأراد بذلك إخراج القبط لأن القبط وإن كانوا مشركين فقد كانوا يثبتون بعث الأرواح والجزاء.