ونفي علمهن ذلك كناية عن نفي دعوتهن إياه إلى السوء ونفي دعوته إياهن إليه لأن ذلك لو وقع لكان معلوما عندهن ، ثم إنهن لم يزدن في الشهادة على ما يتعلق بسؤال الملك فلم يتعرضن لإقرار امرأة العزيز في مجلسهن بأنها راودته عن نفسه فاستعصم ، خشية منها ، أو مودّة لها ، فاقتصرن على جواب ما سئلن عنه.
وهذا يدل على كلام محذوف وهو أن امرأة العزيز كانت من جملة النسوة اللاتي أحضرهن الملك. ولم يشملها قول يوسف ـ عليهالسلام ـ : (ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَ) [سورة يوسف : ٥] لأنها لم تقطّع يدها معهن ، ولكن شملها كلام الملك إذ قال : (إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ) فإن المراودة إنما وقعت من امرأة العزيز دون النسوة اللاتي أعدّت لهن متكئا ، ففي الكلام إيجاز حذف.
وجملة (قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ) مفصولة لأنها حكاية جواب عن سؤال الملك.
والآن : ظرف للزمان الحاضر ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ) في سورة الأنفال [٦٦].
و (حَصْحَصَ) : ثبت واستقر.
و (الْحَقُ) : هو براءة يوسف ـ عليهالسلام ـ مما رمته به امرأة العزيز ، وإنما ثبت حينئذ لأنه كان محل قيل وقال وشك ، فزال ذلك باعترافها بما وقع.
والتعبير بالماضي مع أنه لم يثبت إلا من إقرارها الذي لم يسبق لأنه قريب الوقوع فهو لتقريب زمن الحال من المضي.
ويجوز أن يكون المراد ثبوت الحق بقول النسوة (ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) فيكون الماضي على حقيقته. وتقديم اسم الزمان للدلالة على الاختصاص ، أي الآن لا قبله للدلالة على أن ما قبل ذلك الزمان كان زمن باطل وهو زمن تهمة يوسف ـ عليهالسلام ـ بالمراودة ، فالقصر قصر تعيين إذ كان الملك لا يدري أي الوقتين وقت الصدق أهو وقت اعتراف النسوة بنزاهة يوسف ـ عليهالسلام ـ أم هو وقت رمي امرأة العزيز إياه بالمراودة.
وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي في جملة (أَنَا راوَدْتُهُ) للقصر ، لإبطال أن يكون النسوة راودنه. فهذا إقرار منها على نفسها ، وشهادة لغيرها بالبراءة ، وزادت فأكدت صدقه ب (إن) واللام.