يحاط بهم ، فالكلام إيجاز. ومعنى (ما كانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) أنه ما كان يرد عنهم قضاء الله لو لا أن الله قدر سلامتهم.
والاستثناء في قوله : (إِلَّا حاجَةً) منقطع لأن الحاجة التي في نفس يعقوب ـ عليهالسلام ـ ليست بعضا من الشيء المنفي إغناؤه عنهم من الله ، فالتقدير : لكن حاجة في نفس يعقوب ـ عليهالسلام ـ قضاها.
والقضاء : الإنفاذ ، ومعنى قضاها أنفذها. يقال : قضى حاجة لنفسه ، إذا أنفذ ما أضمره في نفسه ، أي نصيحة لأبنائه أداها لهم ولم يدخرها عنهم ليطمئن قلبه بأنه لم يترك شيئا يظنه نافعا لهم إلّا أبلغه إليهم.
والحاجة : الأمر المرغوب فيه. سمي حاجة لأنه محتاج إليه ، فهي من التسمية باسم المصدر. والحاجة التي في نفس يعقوب ـ عليهالسلام ـ هي حرصه على تنبيههم للأخطار التي تعرض لأمثالهم في مثل هذه الرحلة إذا دخلوا من باب واحد ، وتعليمهم الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله.
وجملة (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) معترضة بين جملة (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) إلخ وبين جملة (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
وهو ثناء على يعقوب ـ عليهالسلام ـ بالعلم والتدبير ، وأنّ ما أسداه من النصح لهم هو من العلم الذي آتاه الله وهو من علم النبوءة.
وقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) استدراك نشأ عن جملة (وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ) إلخ. والمعنى أن الله أمر يعقوب ـ عليهالسلام ـ بأخذ أسباب الاحتياط والنصيحة مع علمه بأن ذلك لا يغني عنهم من الله من شيء قدره لهم ، فإن مراد الله تعالى خفيّ عن الناس ، وقد أمر بسلوك الأسباب المعتادة ، وعلم يعقوب ـ عليهالسلام ـ ذلك ، ولكن أكثر الناس لا يعلمون تطلب الأمرين فيهملون أحدهما ، فمنهم من يهمل معرفة أن الأسباب الظاهرية لا تدفع أمرا قدّره الله وعلم أنه واقع ، ومنهم من يهمل الأسباب وهو لا يعلم أن الله أراد في بعض الأحوال عدم تأثيرها.
وقد دلّ (وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِما عَلَّمْناهُ) بصريحه على أن يعقوب ـ عليهالسلام ـ عمل بما علّمه الله ، ودلّ قوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) بتعريضه على أن يعقوب ـ عليهالسلام ـ من القليل من الناس الذين علموا مراعاة الأمرين ليتقرر الثناء على يعقوب ـ