وقد جرى الجواب على استعمال العرب عند ما يسمعون كلاما مكروها أو منكرا أن يقولوا للنّاطق به : بفيك الحجر ، وبفيك الكثكث ، ويقولون : تربت يداك ، وتربت يمينك ، واخسأ.
وكذلك جاء قوله تعالى (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ) شتما لهم.
والمثل : الحال العجيبة في الحسن والقبح ، وإضافته إلى السوء للبيان.
وعرّفوا ب «الذين لا يؤمنون بالآخرة» لأنهم اشتهروا بهذه الصّلة بين المسلمين ، كقوله تعالى : (فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) [سورة النحل: ٢٢] ، وقوله : (بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ) [سورة سبأ : ٨].
وجملة (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى) عطفت على جملة (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ) لأن بها تكملة إفساد قولهم وذمّ رأيهم ، إذ نسبوا إلى الله الولد وهو من لوازم الاحتياج والعجز. ولمّا نسبوا إليه ذلك خصّوه بأخسّ الصنفين عندهم ، كما قال تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ ما يَكْرَهُونَ) [سورة النحل : ٦٢] ، وإن لم يكن كذلك في الواقع ولكن هذا جرى على اعتقادهم ومؤاخذة لهم برأيهم.
و (الْأَعْلى) تفضيل ، وحذف المفضّل عليه لقصد العموم ، أي أعلى من كل مثل في العلوّ بقرينة المقام.
والسّوء : ـ بفتح السين ـ مصدر ساءه ، إذا عمل معه ما يكره. والسّوء ـ بضم السّين ـ الاسم ، تقدم في قوله تعالى : (يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ) في سورة البقرة [٤٩].
والمثل تقدم تفصيل معانيه عند قوله تعالى : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً) في سورة البقرة [١٧].
و (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) تقدم عند قوله تعالى : (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) في سورة البقرة [٢٠٩].
(وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ ما تَرَكَ عَلَيْها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٦١))
هذا اعتراض في أثناء التوبيخ على كفرهم الذي من شرائعه وأد البنات. فأما وصف