والخطاب للمسلمين في الحفاظ على عهدهم بحفظ الشريعة ، وإضافة العهد إلى الله لأنهم عاهدوا النبي صلىاللهعليهوسلم على الإسلام الذي دعاهم الله إليه ، فهم قد عاهدوا الله كما قال : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [سورة الفتح : ١٠] ، وقال : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) [سورة الأحزاب : ٢٣]. والمقصود : تحذير الذين كانوا حديثي عهد بالإسلام من أن ينقضوا عهد الله.
و (إِذا) لمجرّد الظرفية ، لأنّ المخاطبين قد عاهدوا الله على الإيمان والطاعة ، فالإتيان باسم الزمان لتأكيد الوفاء. فالمعنى : أن من عاهد وجب عليه الوفاء بالعهد. والقرينة على ذلك قوله : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً). [سورة النحل : ٩١] والعهد : الحلف. وتقدّم في قوله تعالى : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ). وكذلك النقض تقدم في تلك الآية ، ونقض الأيمان : إبطال ما كانت لأجله. فالنقض إبطال المحلوف عليه لا إبطال القسم ، فجعل إبطال المحلوف عليه نقضا لليمين في قوله : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ) تهويلا وتغليظا للنّقض لأنه نقض لحرمة اليمين.
و (بَعْدَ تَوْكِيدِها) زيادة في التحذير ، وليس قيدا للنّهي بالبعدية ، إذ المقصود أيمان معلومة وهي أيمان العهد والبيعة ، وليست فيها بعدية.
و (بَعْدِ) هنا بمعنى (مع) ، إذ البعدية والمعيّة أثرهما واحد هنا ، وهو حصول توثيق الأيمان وتوكيدها ، كقول الشميذر الحارثي :
بني عمّنا لا تذكروا الشعر بعد ما |
|
دفنتم بصحراء الغمير القوافيا |
أي لا تذكروا أنّكم شعراء وأن لكم شعرا ، أو لا تنطقوا بشعر مع وجود أسباب الإمساك عنه في وقعة صحراء الغمير (١) ، وقوله تعالى : (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) [سورة الحجرات : ١١] ، وقوله : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ).
والتّوكيد : التوثيق وتكرير الفتل ، وليس هو توكيد اللفظ كما توهّمه بعضهم فهو ضدّ النقض. وإضافته إلى ضمير الأيمان ليس من إضافة المصدر إلى فاعله ولا إلى مفعوله إذ لم يقصد بالمصدر التجدّد بل الاسم ، فهي الإضافة الأصلية على معنى اللام ، أي التوكيد الثابت لها المختصّ بها. والمعنى : بعد ما فيها من التوكيد ، وبيّنه قوله : (وَقَدْ
__________________
(١) وهذا كناية عن ترك قول الشعر لأن أهم أغراض قول الشعر قد تعطل فيهم.