جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً).
والمعنى : ولا تنقضوا الأيمان بعد حلفها. وليس في الآية إشعار بأن من اليمين ما لا حرج في نقضه ، وهو ما سمّوه يمين اللّغو ، وذلك انزلاق عن مهيع النظم القرآني.
ويؤيّد ما فسرناه قوله : (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً) الواقع موقع الحال من ضمير (لا تَنْقُضُوا) ، أي لا تنقضوا الأيمان في حال جعلكم الله كفيلا على أنفسكم إذا أقسمتم باسمه ، فإن مدلول القسم أنه إشهاد الله بصدق ما يقوله المقسم : فيأتي باسم الله كالإتيان بذات الشاهد. ولذلك سمّي الحلف شهادة في مواضع كثيرة ، كقوله : (فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) [سورة النور : ٦]. والمعنى أن هذه الحالة أظهر في استحقاق النّهي عنها.
والكفيل : الشاهد والضامن والرقيب على الشيء المراعى لتحقيق الغرض منه.
والمعنى : أن القسم باسم الله إشهاد لله وكفالة به. وقد كانوا عند العهد يحلفون ويشهدون الكفلاء بالتنفيذ ، قال الحارث بن حلّزة :
واذكروا حلف ذي المجاز وما ق |
|
دّم فيه العهود والكفلاء |
و (عَلَيْكُمْ) متعلّق ب (جَعَلْتُمُ) لا ب (كَفِيلاً) أي أقمتموه على أنفسكم مقام الكفيل ، أي فهو الكفيل والمكفول له من باب قولهم : أنت الخصم والحكم ، وقوله تعالى : (وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ) [سورة التوبة : ١١٨].
وجملة (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) معترضة. وهي خبر مراد منه التحذير من التساهل في التمسّك بالإيمان والإسلام لتذكيرهم أن الله يطّلع على ما يفعلونه ، فالتوكيد ب (إِنَ) للاهتمام بالخبر.
وكذلك التأكيد ببناء الجملة بالمسند الفعلي دون أن يقال : إن الله عليم ، ولا : قد يعلم الله.
واختير الفعل المضارع في (يَعْلَمُ) وفي (تَفْعَلُونَ) لدلالته على التجدّد ، أي كلما فعلوا فعلا فالله يعلمه.
والمقصود من هذه الجمل كلها من قوله : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ) إلى هنا تأكيد الوصاية بحفظ عهد الأيمان. وعدم الارتداد إلى الكفر ، وسدّ مداخل فتنة المشركين إلى نفوس