وفي كلاميهما من الوهن أنه لا وجه لتخصيص الاستعاذة بإرادة قراءة القرآن.
وقول ابن عطية : «الفاء في (فَإِذا) واصلة بين الكلامين والعرب تستعملها في مثل هذا» ، فتكون الفاء على هذا لمجرّد وصل كلام بكلام واستشهد له بالاستعمال والعهدة عليه.
وقال شرف الدين الطيبي : «قوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) متّصل بالفاء بما سبق من قوله تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) [سورة النحل : ٨٩]. وذلك لأنه تعالى لما منّ على النبي صلىاللهعليهوسلم بإنزال كتاب جامع لصفات الكمال وأنه تبيان لكل شيء ، ونبّه على أنه تبيان لكل شيء بالكلمة الجامعة وهي قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) [سورة النحل : ٩٠] الآية. وعطف عليه (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) [سورة النحل : ٩١] ، وأكّده ذلك التأكيد ، قال بعد ذلك (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) ، أي إذا شرعت في قراءة هذا الكتاب الشريف الجامع الذي نبهت على بعض ما اشتمل عليه ، ونازعك فيه الشيطان بهمزه ونفثه فاستعذ بالله منه والمقصود إرشاد الأمّة» اه.
وهذا أحسن الوجوه وقد انقدح في فكري قبل مطالعة كلامه ثم وجدته في كلامه فحمدت الله وترحّمته عليه. وعليه فما بين جملة (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً) [النحل : ٨٩] إلخ ، وجملة (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) جملة معترضة. والمقصود بالتفريع الشروع في التنويه بالقرآن.
وإظهار اسم (الْقُرْآنَ) دون أن يضمر للكتاب لأجل بعد المعاد.
والأظهر أن (قَرَأْتَ) مستعمل في إرادة الفعل ، مثل قوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) [سورة المائدة : ٦] ، وقوله : (وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ) [سورة الإسراء : ٣٥] وقوله : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) [سورة المجادلة : ٣]، أي يريدون العود إلى أزواجهم بقرينة قوله بعده (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) في سورة المجادلة [٣] ، وقوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً) في سورة النساء [٩] ، أي أوشكوا أن يتركوا بعد موتهم ، وقوله (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) [سورة الأحزاب : ٥٣] ، أي إذا أردتم أن تسألوهن ، وفي الحديث «إذا بايعت فقل : لا خلابة».
وحمله قليل من العلماء على الظاهر من وقوع الفعل فجعلوا إيقاع الاستعاذة بعد