ولما كانت هذه السورة مكّية لم يتعرّض فيها للنّصارى الذين تعرّض لهم في سورة آل عمران.
ولهذا تكون جملة (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ) استئنافا بيانيا نشأ عن قوله : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [سورة النحل : ١٢٣] إذ يثير سؤالا من المخالفين : كيف يكون الإسلام من ملّة إبراهيم؟ وفيه جعل يوم الجمعة اليوم المقدس. وقد جعلت التوراة لليهود يوم التّقديس يوم السبت. ولعلّ اليهود شغبوا بذلك على المسلمين ، فكان قوله : (إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ) بيانا لجواب هذا السؤال.
وقد وقعت هذه الجملة معترضة بين جملة (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً) [سورة النحل : ١٢٣] وجملة (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ) [سورة النحل : ١٢٥] إلخ.
ولذلك افتتحت الجملة بأداة الحصر إشعارا بأنها لقلب ما ظنّه السائلون المشغبون.
وهذا أسلوب معروف في كثير من الأجوبة الموردة لردّ رأي موهوم ، فالضمير في قوله : (فِيهِ) عائد إلى إبراهيم على تقدير مضاف ، أي اختلفوا في ملّته ، وليس عائدا على السبت ، إذ لا طائل من المعنى في ذلك. والذين اختلفوا في إبراهيم ، أي في ملّته هم اليهود لأنهم أصحاب السبت.
ومعنى (جُعِلَ السَّبْتُ) فرض وعيّن عليهم ، أي فرضت عليهم أحكام السبت : من تحريم العمل فيه ، وتحريم استخدام الخدم والدوابّ في يوم السبت.
وعدل عن ذكر اسم اليهود أو بني إسرائيل مع كونه أوجز إلى التّعبير عنهم بالموصول لأن اشتهارهم بالصّلة كاف في تعريفهم مع ما في الموصول وصلته من الإيماء إلى وجه بناء الخبر. وذلك الإيماء هو المقصود هنا لأن المقصود إثبات أن اليهود لم يكونوا على الحنيفية كما علمت آنفا.
وليس معنى فعل (اخْتَلَفُوا) وقوع خلاف بينهم بأمر السبت بل فعل (اخْتَلَفُوا) مراد به خالفوا كما في قول النبي صلىاللهعليهوسلم «واختلافهم أنبيائهم» ، أي عملهم خلاف ما أمر به أنبياؤهم. فحاصل المعنى هكذا : ما فرض السبت على أهل السبت إلا لأنهم لم يكونوا على ملّة إبراهيم ، إذ مما لا شكّ فيه عندهم أن ملّة إبراهيم ليس منها حرمة السبت ولا هو من شرائعها.