ولم يقع التعرّض لليوم المقدّس عند النصارى لعدم الداعي إلى ذلك حين نزول هذه السورة كما علمت.
ولا يؤخذ من هذا أن ملّة إبراهيم كان اليوم المقدّس فيها يوم الجمعة لعدم ما يدلّ على ذلك ، والكافي في نفي أن يكون اليهود على ملّة إبراهيم أن يوم حرمة السبت لم تكن من ملّة إبراهيم.
ثم الأظهر أن حرمة يوم الجمعة ادخرت للملّة الإسلامية لقول النبي صلىاللهعليهوسلم «فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله إليه فالناس لنا فيه تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد». فقوله: «فهدانا الله إليه» يدلّ على أنه لم يسبق ذلك في ملّة أخرى.
فهذا وجه تفسير هذه الآية ، ومحمل الفعل والضمير المجرور في قوله : (اخْتَلَفُوا فِيهِ).
وما ذكره المفسّرون من وجوه لا يخلو من تكلّف وعدم طائل. وقد جعلوا ضمير (فِيهِ) عائدا إلى (السَّبْتُ). وتأوّلوا معنى الاختلاف فيه بوجوه. ولا مناسبة بين الخبر وبين ما توهّم أنه تعليل له على معنى جعل السبت عليهم لأنهم اختلفوا على نبيئهم موسى ـ عليهالسلام ـ لأجل السبت ، لأن نبيّهم أمرهم أن يعظّموا يوم الجمعة فأبوا ، وطلبوا أن يكون السبت هو المفضّل من الأسبوع بعلّة أن الله قضى خلق السماوات والأرضين قبل يوم السبت ، ولم يكن في يوم السبت خلق ، فعاقبهم الله بالتّشديد عليهم في حرمة السبت. كذا نقل عن ابن عباس. وهو لا يصحّ عنه ، وكيف وقد قال الله تعالى : (وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) [سورة النساء : ١٥٤]. وكيف يستقيم أن يعدل موسى ـ عليهالسلام ـ عن اليوم الذي أمر الله بتعظيمه إلى يوم آخر لشهوة قومه وقد عرف بالصلابة في الدين.
من المفسرين من زعم أن التوراة أمرتهم بيوم غير معيّن فعيّنوه السبت. وهذا لا يستقيم لأن موسى ـ عليهالسلام ـ عاش بينهم ثمانين سنة فكيف يصحّ أن يكونوا فعلوا ذلك لسوء فهمهم في التوراة. ولعلّك تلوح لك حيرة المفسّرين في التئام معاني هذه الآية.
و (إِنَّما) للحصر وهو قصر قلب مقصود به الردّ على اليهود بالاستدلال عليهم بأنهم ليسوا على ملّة إبراهيم ، لأن السبت جعله الله لهم شرعا جديدا بصريح كتابهم إذ لم يكن عليه سلفهم. وتركيب الاستدلال : إن حرمة السبت لم تكن من ملّة إبراهيم فأصحاب تلك الحرمة ليسوا على ملّة إبراهيم.