الضيف طرقوا بيتهم في غير وقت طروق الضيف فظنّهم يريدون به شرا ، فلما سلموا عليه فاتحهم بطلب الأمن ، فقال : (إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) ، أي أخفتمونا. وفي سورة الذاريات أنه قال لهم : (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) [سورة الحجر : ٢٥].
والوجل : الخائف. والوجل ـ بفتح الجيم ـ الخوف. ووقع في سورة هود [٧٠] (نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً).
وقد جمع في هذه الآية متفرق كلام الملائكة ، فاقتصر على مجاوبتهم إياه عن قوله : (إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ) ، فنهاية الجواب هو (لا تَوْجَلْ).
وأما جملة (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) فهي استئناف كلام آخر بعد أن قدّم إليهم القرى وحضرت امرأته فبشّروه بحضرتها كما فصّل في سورة هود.
والغلام العليم : إسحاق ـ عليهالسلام ـ أي عليم بالشريعة بأن يكون نبيئا.
وقد حكي هنا قولهم لإبراهيم ـ عليهالسلام ـ ، وحكي في سورة هود قولهم لامرأته لأن البشارة كانت لهما معا فقد تكون حاصلة في وقت واحد فهي بشارتان باعتبار المبشّر ، وقد تكون حصلت في وقتين متقاربين بشّروه بانفراد ثم جاءت امرأته فبشروها.
وقرأ الجمهور (نُبَشِّرُكَ) ـ بضم النون وفتح الموحدة وتشديد الشين المكسورة مضارع بشر بالتشديد ـ. وقرأ حمزة وحده (نُبَشِّرُكَ) ـ بفتح النون وسكون الموحدة وضم الشين ـ وهي لغة. يقال بشره يبشره من باب نصر.
والاستفهام في (أَبَشَّرْتُمُونِي) للتعجب.
و (عَلى) بمعنى (مع) : دالة على شدة اقتران البشارة بمسّ الكبر إياه.
والمسّ : الإصابة. والمعنى تعجب من بشارته بولد مع أن الكبر مسّه.
وأكد هذا التعجب بالاستفهام الثاني بقوله : (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) استفهام تعجب. نزل الأمر العجيب المعلوم منزلة الأمر غير المعلوم لأنه يكاد يكون غير معلوم.
وقد علم إبراهيم ـ عليهالسلام ـ من البشارة أنهم ملائكة صادقون فتعين أن الاستفهام للتعجب.
وحذف مفعول «بشرتموني» لدلالة الكلام عليه.