المعيار الصحيح للأعمال يكمن في كيفية العمل لا كميته ومقداره ، لأن جميع ما أنفقه هؤلاء الأولياء في هذه الاسرة الطاهرة لا يتجاوز عدّة كيلوغرامات من الشعير ، ولكن بما أن هذا العمل كان متوائماً مع الاخلاص وكان بدافع رضا الله تعالى فقط فإنّ هذا الدافع هو الذي رفع قدر ذلك العمل وترتبت عليه تلك المثوبات العظيمة التي وردت في هذه السورة ، فعنصر «الإخلاص» يحقّق معجزة في تغيير ماهيّة العمل ، فأحياناً يوصل قيمة العمل إلى ألف ضعف وأحياناً اخرى إلى مليون ضعف وثالثة إلى مليارد ضعف ، وقد يصل بالعمل أحياناً إلى ما يستوعب في قيمته جميع عبادات الجن والانس إلى يوم القيامة (١) ، وعلامة مثل هذا الاخلاص هي أن الإنسان الذي يتحرك في عمله من موقع الإخلاص لا يرى سوى الله تعالى في عمله هذا ولا يتوقع أجراً من أحد غيره بل لا يتوقع الشكر عليه ، وقد يصل الإنسان بدرجة من الإخلاص أن يتساوى عنده الشكر مع الإهانة فلا يفرح بالشكر ولا يتألم من السبّ والإهانة في مقابل هذا العمل ، فهنيئاً لمن يعيش هذا المقام وهذه الروحية المخلصة.
٣ ـ انعكاس آيات سورة الدهر في الأشعار
إنّ شأن نزول آيات سورة الدهر في الإمام علي عليهالسلام وأهل بيته عليهمالسلام كان إلى درجة من الوضوح والبداهة حتّى أننا نجدها في أشعار الشعراء أيضاً ، حيث نقرأ في أشعار محمّد بن إدريس المطلبي الشافعي الذي هو من أئمّة أهل السنّة (٢) أنه قال هذه الأشعار في الإمام علي عليهالسلام :
__________________
(١) مثلاً ورد في ضربة علي يوم الخندق عند ما قتل عمرو بن ود العامري أن النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله قال :
«لضربة عليّ خير من عبادة الثقلين» ، وجاء في رواية اخرى :
«لضربة علي لعمرو بن عبد ود أفضل من عمل امتي إلى يوم القيامة». (بحار الأنوار : ج ٣٩ ، ص ٢).
(٢) وكان يحبّ أهل البيت عليهمالسلام حبّاً جماً ، وقد سرت هذه المحبّة منه إلى أتباعه إلى درجة أن المذهب الشافعي يعدّ من أقرب المذاهب إلى مذهبنا نحن الشيعة ، بخلاف المذاهب السنّية الاخرى ، كالوهابية ، بل إن هؤلاء لا يلتقون مع أيّ من المذاهب السنّية الاخرى ويتهمون الجميع بالشرك والبدعة ويتحركون معهم من موقع العداوة والنزاع الدائم.