جاء في كتاب صحيح مسلم في باب «فضائل الصحابة» رواية مثيرة وجذّابة رواها سعد بن أبي وقاص : أن معاوية قال لسعد : «ما منعك أن تسبّ أبا تراب (١)؟ قال : أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن رسول الله فلن أسبّه لئن تكون لي واحدة منها أحبّ إليّ من حمر النعم ، ثمّ ذكر قصة تبوك عند ما استخلف النبي علياً على المدينة ، فلما قال الإمام علي : أتخلّفني على النساء والأطفال؟ قال له رسول الله : «ألا ترضى أن تكون مني كهارون من موسى إلّا أنه لا نبي بعدي ، والثانية في معركة خيبر عند ما أرسل رسول الله الأوّل والثاني لفتح خيبر فرجعا آيسين فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : «لأعطينّ الراية غداً لرجل لا يملّ من الحرب ولا يدير ظهره للعدو». فتطاولت الأعناق لذلك ، فنظر رسول الله فيهم فلم ير علياً ، فسأل عنه فقيل : هو أرمد ، فقال : عليّ به ، فجاء الإمام علي فتفل رسول الله في عينه فشفي من ساعته فدفع إليه الراية وكان الفتح على يده. وأما «الثالثة» فهي لما نزلت هذه الآية «قل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ...» حيث دعا رسول الله علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللهم هؤلاء أهلي ...
وقال سعد بعد ذلك لمعاوية : هل يحقّ لي بعد هذا أن أسبّ علياً؟ فسكت معاوية وندم على مقولته» (٢).
من هم أبناءنا ، نساءنا ، أنفسنا؟
لا خلاف ظاهراً بيننا وبين إخوتنا من أهل السنّة في أن المراد من «نساءنا» هو فاطمة الزهراء بنت رسول الله عليهاالسلام وكذلك اتّفق علماء الشيعة وأهل السنّة أن المراد من «أبناءنا» الحسن والحسين عليهماالسلام.
وعلى هذا الأساس فإن المحور الأصلي في هذا البحث يدور حول تفسير كلمة «أنفسنا»
__________________
(١) هذا الكلام يعكس غاية ما فيه الإمام علي من المظلومية وذروة الحقد الدفين في قلوب بني امية عليه بحيث اشاعوا سبّه ولعنه بين المسلمين بحيث لو امتنع أحد من سبّه لتعرض للعقاب الشديد ، والعجيب من بعض أهل السنّة الذين يدافعون عن بني امية ومعاوية مع كلّ هذه الجرائم الفضيعة ويعبّرون عن «مصدر الخبائث» ب «سيّدنا معاوية»!!
(٢) صحيح مسلم : ج ٤ ، ص ١٨٧ ، ح ٣٢.