بكلّ اختيار ورغبة وهكذا صنع الحسن والحسين عليهماالسلام وهذا يدلُّ على غاية الإيثار الذي يذكره القرآن الكريم من موقع الثناء والمدح.
وأمّا في مورد قوله تعالى (قُلِ الْعَفْوَ) فهناك نظريتان في المراد منها ، إحداهما أن المراد من «العفو» هو الشيء الزائد عن حاجة الإنسان (١) ، ولكن الاحتمال الثاني هو أن يكون «الْعَفْوُ هُوَ الطَّيِّبُ مِنَ الْمالِ» ولذلك لا بدّ من التصدّق على الفقير والمسكين من هذا النوع من الأموال (٢) لا كلّ ما زاد عن حاجة الإنسان واستغنى عنه في حياته فإنّه يقوم بالتصدّق به إلى الفقراء ، لأنه في هذه الصورة سوف لا يصل إلى حقيقة البر والإحسان في قوله تعالى (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)(٣)
وعليه فإنّ قوله (قُلِ الْعَفْوَ) يحتمل قوياً أن يراد به التوصية ببذل أفضل ما بأيدي الإنسان من أموال ووسائل إلى الفقراء لا أنه يتصدّق بما لا يحتاج إليه ، وهذا هو معنى الإيثار الذي أشارت إليه آيات سورة الدهر.
وبالالتفات إلى ما تقدّم آنفاً فإننا لا نجد تنافياً بين آية «قُلِ الْعَفْوَ» وبين شأن نزول آيات سورة الدهر ، بل وأكثر من ذلك فإنها منسجمة معها ومؤيدة لها.
٣ ـ آيات سورة الدهر عامة أو خاصّة؟
سؤال : هل أن آيات سورة الدهر التي وردت في وصف «الأبرار» وما ذكر من أنواع المثوبات والجزاء في الجنّة لهؤلاء تختص بالإمام علي عليهالسلام وزوجه وابنيه ، أو هي عامة وشاملة لجميع الأشخاص الذين يتصفون بصفة «الأبرار»؟ وإذا كان الاحتمال الثاني هو المتعيّن (٤) إذن فلما ذا نحصر الآيات الشريفة بأهل بيت النبوّة؟
__________________
(١) الكشّاف : ج ١ ، ص ٢٦٢.
(٢) ورد الاحتمال الأوّل والثاني واحتمالات اخرى أيضاً في التفسير الامثل : ج ٢ ، ذيل الآية ٢١٩ من سورة البقرة.
(٣) سورة آل عمران : الآية ٩٢.
(٤) وهو مختار الفخر الرازي في التفسير الكبير : ج ٣٠ ، ص ٢٤٤.