الإشكال السادس : ما ذا تعني ولاية الإمام عليّ عليهالسلام في حياة النبي صلىاللهعليهوآله؟
الإشكال الآخر الذي أورده الفخر الرازي وآخرون هو : «أنا لو حملنا الولاية على التصرف والإمامة لما كان المؤمنون المذكورون في الآية موصوفين بالولاية حال نزول الآية ، لأن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ما كان نافذ التصرف حال حياة الرسول ، والآية تقتضي كون هؤلاء المؤمنين موصوفين بالولاية في الحال. أما لو حملنا الولاية على المحبة والنصرة كانت الولاية حاصلة في الحال ، فثبت أن حمل الولاية على المحبة أولى من حملها على التصرف» (١).
الجواب : وجواب هذا الإشكال واضح لأن ولاية الولي والوصي والخليفة تكون بالقوّة لا بالفعل ، وأساساً فإنّ هذا المطلب موجود ضمن سياق الآية الشريفة حيث إنّ زكريّا الذي طلب من الله تعالى الولي والوارث واستجاب الله تعالى لطلبه وأعطاه يحيى (٢) فهل أنّ يحيى كان وارثاً ووليّاً لأبيه في حياة زكريا أو أن ذلك تحقّق له بعد وفاة الأب؟
من الواضح أن هذه الامور تحققت له بعد وفاة أبيه.
وهذه المسألة سائدة في العرف وسيرة العقلاء ، فمن يكتب وصية ويعين وصياً له فهل أن هذا الوصي له ولاية واختيار قبل وفاة صاحب الوصية أو أن هذه الوصية تتعلق بما بعد الوفاة؟ الفخر الرازي كان قد كتب وصيته حتماً وقد عيّن وصياً له ، فهل أن ذلك الوصي وهذه الوصية كانت فعلية في زمن حياته أو بعد مماته؟ وأكثر من ذلك فإنّ جميع القادة والزعماء والملوك في العالم يتحركون في أواخر حياتهم لتعيين خليفة لهم ، ولكنّ هؤلاء الخلفاء لهم لم يكونوا أصحاب قدرة فعلية في حياة هؤلاء الملوك والزعماء بل كانت قدرتهم ومسئولياتهم تتحقق لهم بعد وفاة القائد الفعلي.
وعلى هذا الأساس فإن الولاية في الآية الشريفة جاءت بمعنى القيّم وصاحب الاختيار وإمام الامّة ولكن جميع هذه المعاني لا تكون فعلية للإمام عليّ عليهالسلام إلّا بعد رحيل الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله.
__________________
(١) التفسير الكبير : ج ١٢ ، ص ٢٨.
(٢) سورة مريم : الآية ٥ و ٦.