من هو الذي «عنده علم الكتاب»؟
يذكر العلّامة الطبرسي في مجمع البيان ثلاث نظريات في هذا المجال :
١ ـ أن المراد بقوله (مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) هو الله تعالى ، وفي الحقيقة فهذه الجملة بمثابة عطف تفسيري على «بالله» الذي ورد في صدر الآية ، فكليهما بمعنى واحد ، وعليه ففي هذه الآية الشريفة لا يوجد أكثر من شاهد واحد يشهد على صدق ادعاء نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله وهو الله تعالى (١).
ولكنّ هذه النظرية مردودة ، لأن الأصل الأولي في العطف هو التعدد والجملة المعطوفة تقرر مطلباً جديداً غير المعطوف عليه ، والعطف التفسيري خلاف الأصل ، وهذه الحقيقة يذعن لها علماء اللغة والأدب العربي ، وعليه فما لم يتوفر لنا دليل معتبر على أن الجملة أعلاه هي عطف تفسيري ، فلا بدّ من حملها على معنىً آخر غير المعطوف عليه لئلّا نقع في إشكالية التكرار ، ولذلك فالنظرية الاولى غير مقبولة.
٢ ـ ومنهم من ذهب إلى أن المراد من جملة (مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) هم اولئك الأشخاص من أهل الذمّة الذين اعتنقوا الإسلام ومنهم «عبد الله ابن سلام» (٢) العالم اليهودي ، ولكنه كان منصفاً وقد قرأ علامات نبوّة النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله في التوراة وعند ما رآها منطبقة على محمّد بن عبد الله صلىاللهعليهوآله وعلم أنه مرسل من الله تعالى آمن به في حين أنه لو بقي على دين اليهودية كان يحظى بمنزلة كبيرة بينهم وقد يحصل من ذلك الكثير من الأموال والثروات ، ولكنه عند ما علم بحقيقة الأمر سحق أهواءه النفسية واعتنق الإسلام ، ولهذا فإن هذا الشخص هو الذي عنده «علم الكتاب» أي كان يعلم بعلائم النبي في التوراة ويشهد بذلك ، إذن فإن هذه الآية تقرر شاهدين على صدق ادعاء النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، وبعبارة اخرى إنّ الله تعالى والكتب السماوية السابقة تشهد بصدق نبوّة نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله.
ولكنّ هذه النظرية أيضاً غير مقبولة ، لأن سورة الرعد من السور المكية في حين أن
__________________
(١) مجمع البيان : ج ٣ ، ص ٣٠١.
(٢) نفس المصدر السابق.