الجواب : إنّ هذا الكلام يثير العجب واقعاً وخاصّةً فيما لو صدر من شخص يدّعي المعرفة والعلم ، لأنّ مثل هذه المعاذير والحجج تشير إلى معالم الجهل وعدم الاطلاع ، وتوضيح ذلك أن «الإنفاق» شيء و «الإيثار» شيء آخر ، ومع الأسف أن من يطرح هذا الإشكال لا يدرك التفاوت بين الإنفاق والإيثار.
ونقرأ في الآية التاسعة من سورة الحشر في وصف الأنصار :
(وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ)
إنّ بعض الأشخاص قد يصلون في مرتبة الكمال المعنوي إلى درجة ومقام «الإيثار» ، فعلى رغم حاجتهم الشديدة ينفقون ما يحتاجونه على الآخرين.
وقد ورد في شأن نزول هذه الآية : «أن شخصاً أتى رسول الله صلىاللهعليهوآله فشكى إليه الجوع ، فبعث رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى منزله ، فقالت له زوجته : ما عندنا إلّا الماء ، فقال رسول الله : من لهذا الرجل الليلة؟ فتعهده رجل من الأنصار وصحبه إلى بيته ولم يكن لديه إلّا القليل من الطعام لأطفاله ، وطلب أن يؤتى بالطعام إلى ضيفه وأطفأ السراج ، ثمّ قال لزوجته : نوّمي الصبية ، ثمّ جلس الرجل وزوجته على سماط الطعام فتظاهروا بالأكل ولم يضعوا شيئاً في أفواههم ، وظنّ الضيف أنهم يأكلون معه ، فأكل حتّى شبع وناموا الليلة ، فلما أصبحوا قدموا على رسول الله صلىاللهعليهوآله فنظر إليهم وتبسّم (دون أن يتكلم) ، فنزلت الآية أعلاه وأثنت على إيثارهم» (١).
وعلى هذا الأساس فإن من يطرح مثل هذه الشبهة فإنه لم يقرأ جميع آيات القرآن الكريم ، وإلّا فلا ينبغي الشكّ بأن مقام الإيثار أعلى مرتبة من مقام الإنفاق بحيث لا يناله إلّا من اوتي حظاً عظيماً من الإيمان والخلوص ، ولذلك يعد الإيثار من الصفات الخاصّة بالمؤمنين الحقيقيين.
مضافاً إلى أن الإمام علي عليهالسلام كما ورد في قصة سورة الدهر لم يقدم إلى السائل سوى طعامه فقط لا طعام جميع أفراد الاسرة ، ثمّ إنّ فاطمة الزهراء عليهاالسلام قدّمت طعامها إلى السائل
__________________
(١) التفسير الامثل : ذيل الآية مورد البحث.